المعلم الجامعي ضحك كالبكا
الأحد - 08 مارس 2020
Sun - 08 Mar 2020
في خضم دورات الوهم والسراب التي تنتشر في جامعاتنا، وبين أشباه المثقفين، تفجرت العقلية الإدارية لدى إحدى الجامعات المحلية، فاخترعت برنامجا لأعضاء هيئة التدريس أسمته «دبلوم المعلم الجامعي المحترف»، وقلدتها في ذلك جامعات أخر، وقبل الدخول في تفاصيل الدبلوم، وأغراضه الظاهرة والباطنة، دعونا لا نلقي باللوم كله على الذهنية الأكاديمية في هذه الجامعة، لأنها- أعني الذهنية - نتاج لمجموعة من العوامل الكامنة في التركيبة الثقافية التي نعيشها، فالكل يحاول أن يجد له موطئ قدم في الساحة، لا لأن يقدم فكرا مميزا، ويقول:
هأنذا، ولكن ليجمع ما يمكن جمعه من الغلة المادية والمعنوية، تلكم الغلة التي أصبحت هي العلة الحقيقية لما نشكو منه في معظم جامعاتنا اليوم.
لا أستطيع أن أتخيل أستاذا جامعيا بدرجة «فيلسوف» يتسابق مع غيره على حضور دورة عادية جدا، عادية في المحتوى، وعادية في العرض، دورة لا تسمن ولا تغني من جوع، فلا هي تدريب، ولا هي تنظير، ولا أبالغ إن قلت: إن محتوياتها قد يلم بها أي طالب في المرحلة المتوسطة أو الثانوية، لا أدري هل فقد الأستاذ الجامعي ثقته في نفسه! هل يشك في قدراته وفي عطاءاته؟ حتى يرضى على نفسه وعلى شخصيته الاعتبارية والعلمية بهذا الوضع! أم إن رؤساءه اكتشفوه فعلا، وعرفوا مستواه، ووجدوه دون درجة الفيلسوف بمراحل عديدة ودرجات كثيرة، فأعطوه المكانة الواقعية التي يستحقها؛ معلم جامعي! ولولا الجامعة لجردوه من لقبها، و لأصبح هكذا معلما وكفى!
وعند مواجهة بعض الحاضرين لمثل هذه الدورات، بما نقوله من باب «التندر» على أحوالهم، والسخرية الناقدة لما آلوا إليه، وجدناهم لا يملكون جوابا يخرجهم منها إلا هز رؤوسهم، هز «الهر» المغشي عليه من الموت، وبعضهم كان يضحك ضحكا كالبكاء، لا تدري أمغلوب على أمرهم، أي إن الإدارات الحالية تتسلق على أكتافهم، وهم كأصنام الشطرنج، لا حول لهم ولا قوة! أم هم الغالبون على المدى البعيد! وهم المتسلقون الجدد! إنها فعلا لإحدى الكبر في الجامعات، ومن الغرائب والمضحكات المبكيات!
دبلوم المعلم الجامعي فوق أنه انتكاسة في المفاهيم والأعراف الجامعية وما بعد الجامعية، ولا تقبله الفطر الأكاديمية السليمة، إلا أنه كان بالإمكان أن يكون مفيدا، وله معنى، وينال انتشارا واسعا، لو أنه كان موجها للمعيدين فقط، وبعد تعيينهم مباشرة، ويكون مفتوحا لمن يرغب من معيدي الجامعات الأخرى، ضمن اتفاقيات وشراكات محددة سلفا بين الجامعات.
ونحن لا ننكر أنه ربما هناك ضعف في جوانب معينة لدى أساتذة الجامعة حديثي التخرج، خاصة في التعامل مع الطلاب والطالبات، وهذه الإشكالية ما كانت لتكون لولا الأخطاء التراكمية التي تقع فيها الجامعات، حيث كانت وما زالت تبتعث المعيدين هكذا بمجرد حصولهم على قبولات للدراسة من الجامعات الأمريكية أو البريطانية، ولو قلنا جدلا إنهم فعلوا ذلك بحسن نية، إذ كانوا يفترضون عودة المعيد بعقلية راقية، لأسقط هذا الافتراض عقلانية دبلومهم اليوم!
وقد يذهب البعض إلى تسطيح المسألة فيقول: إن لقب معلم شرف لا يناله إلا ذو همة عالية ومكانة راقية، وإلحاق الأستاذ الجامعي به لا ينقص الملحق قدرا، بل يرفعه ويعظم من شأنه، ونقول لهؤلاء: خلافنا ليس على مسمى معلم أو مدرس، بل خلافنا الحقيقي يتمثل في أن مثل هذه الأمور تبدو في ظاهرها طبيعية، وكأنها حراك ثقافي، ومنشط أكاديمي تقدمه الجامعة ضمن برامجها في التطوير الأكاديمي، ولكن الواقع عكس ذلك تماما! فهناك من يتربح ماليا من هذه البرامج، ويقتات من بيع الوهم وتوزيع شهادات الحضور، وهناك من يبني منها صورا خيالية للحيوية والنشاط والولاء، تعطي في المحصلة انطباعا جيدا لدى المسؤولين عنه، مما يجعله في أوائل سلم الترشيح للوظائف العليا.
وعلى الرغم من أن هذه البرامج والأنشطة الموجهة تستهلك موارد مالية وجهودا بشرية، وبغض النظر عن أغراضها، وعما يمكن أن يقال عنها، إلا أنه يظل هناك بقية باقية من الأساتذة، المتنورة بعلومها، والمعتزة بمكانتها الشخصية وإسهاماتها العلمية وبحضورها الفكري، الواثقة في أدائها، والواعية بما يدور حولها، وعليها يعقد الأمل، وبها لا بغيرها يحدث التحول، ولولاها إذن لانتصر الواهمون، ولهدّمت مُثل و طموحات ومبادئ!
drbmaz@
هأنذا، ولكن ليجمع ما يمكن جمعه من الغلة المادية والمعنوية، تلكم الغلة التي أصبحت هي العلة الحقيقية لما نشكو منه في معظم جامعاتنا اليوم.
لا أستطيع أن أتخيل أستاذا جامعيا بدرجة «فيلسوف» يتسابق مع غيره على حضور دورة عادية جدا، عادية في المحتوى، وعادية في العرض، دورة لا تسمن ولا تغني من جوع، فلا هي تدريب، ولا هي تنظير، ولا أبالغ إن قلت: إن محتوياتها قد يلم بها أي طالب في المرحلة المتوسطة أو الثانوية، لا أدري هل فقد الأستاذ الجامعي ثقته في نفسه! هل يشك في قدراته وفي عطاءاته؟ حتى يرضى على نفسه وعلى شخصيته الاعتبارية والعلمية بهذا الوضع! أم إن رؤساءه اكتشفوه فعلا، وعرفوا مستواه، ووجدوه دون درجة الفيلسوف بمراحل عديدة ودرجات كثيرة، فأعطوه المكانة الواقعية التي يستحقها؛ معلم جامعي! ولولا الجامعة لجردوه من لقبها، و لأصبح هكذا معلما وكفى!
وعند مواجهة بعض الحاضرين لمثل هذه الدورات، بما نقوله من باب «التندر» على أحوالهم، والسخرية الناقدة لما آلوا إليه، وجدناهم لا يملكون جوابا يخرجهم منها إلا هز رؤوسهم، هز «الهر» المغشي عليه من الموت، وبعضهم كان يضحك ضحكا كالبكاء، لا تدري أمغلوب على أمرهم، أي إن الإدارات الحالية تتسلق على أكتافهم، وهم كأصنام الشطرنج، لا حول لهم ولا قوة! أم هم الغالبون على المدى البعيد! وهم المتسلقون الجدد! إنها فعلا لإحدى الكبر في الجامعات، ومن الغرائب والمضحكات المبكيات!
دبلوم المعلم الجامعي فوق أنه انتكاسة في المفاهيم والأعراف الجامعية وما بعد الجامعية، ولا تقبله الفطر الأكاديمية السليمة، إلا أنه كان بالإمكان أن يكون مفيدا، وله معنى، وينال انتشارا واسعا، لو أنه كان موجها للمعيدين فقط، وبعد تعيينهم مباشرة، ويكون مفتوحا لمن يرغب من معيدي الجامعات الأخرى، ضمن اتفاقيات وشراكات محددة سلفا بين الجامعات.
ونحن لا ننكر أنه ربما هناك ضعف في جوانب معينة لدى أساتذة الجامعة حديثي التخرج، خاصة في التعامل مع الطلاب والطالبات، وهذه الإشكالية ما كانت لتكون لولا الأخطاء التراكمية التي تقع فيها الجامعات، حيث كانت وما زالت تبتعث المعيدين هكذا بمجرد حصولهم على قبولات للدراسة من الجامعات الأمريكية أو البريطانية، ولو قلنا جدلا إنهم فعلوا ذلك بحسن نية، إذ كانوا يفترضون عودة المعيد بعقلية راقية، لأسقط هذا الافتراض عقلانية دبلومهم اليوم!
وقد يذهب البعض إلى تسطيح المسألة فيقول: إن لقب معلم شرف لا يناله إلا ذو همة عالية ومكانة راقية، وإلحاق الأستاذ الجامعي به لا ينقص الملحق قدرا، بل يرفعه ويعظم من شأنه، ونقول لهؤلاء: خلافنا ليس على مسمى معلم أو مدرس، بل خلافنا الحقيقي يتمثل في أن مثل هذه الأمور تبدو في ظاهرها طبيعية، وكأنها حراك ثقافي، ومنشط أكاديمي تقدمه الجامعة ضمن برامجها في التطوير الأكاديمي، ولكن الواقع عكس ذلك تماما! فهناك من يتربح ماليا من هذه البرامج، ويقتات من بيع الوهم وتوزيع شهادات الحضور، وهناك من يبني منها صورا خيالية للحيوية والنشاط والولاء، تعطي في المحصلة انطباعا جيدا لدى المسؤولين عنه، مما يجعله في أوائل سلم الترشيح للوظائف العليا.
وعلى الرغم من أن هذه البرامج والأنشطة الموجهة تستهلك موارد مالية وجهودا بشرية، وبغض النظر عن أغراضها، وعما يمكن أن يقال عنها، إلا أنه يظل هناك بقية باقية من الأساتذة، المتنورة بعلومها، والمعتزة بمكانتها الشخصية وإسهاماتها العلمية وبحضورها الفكري، الواثقة في أدائها، والواعية بما يدور حولها، وعليها يعقد الأمل، وبها لا بغيرها يحدث التحول، ولولاها إذن لانتصر الواهمون، ولهدّمت مُثل و طموحات ومبادئ!
drbmaz@