زيد الفضيل

متى نتحرر من ربقة «أو»؟

السبت - 07 مارس 2020

Sat - 07 Mar 2020

حدثني ملهمي متسائلا بشيء من الغضب قائلا: متى نتحرر من ربقة «أو»؟ وكيف نستعيد مفهوم ودلالة «الواو» في حياتنا؟ وأردف قائلا: لماذا تمحورت أذهاننا ضمن دلالة حدية تصنعها لفظة «أو» التي وإن كانت تدل على التخيير لكن سمتها المفاصلة والإقصاء؟ أليس الأجدر أن نعيش ذهنا ووجدانا في إطار مفهوم حرف «الواو» الدال على المعية والمشاركة؟

أسئلة انهالت على مسمعي ولم أجد لها جوابا شافيا يرضي قناعتي أولا قبل أن أقنع بها ملهمي، وكنت في دهشتي منها كمن يكتشف سرا مكنونا في ثقافتنا أزرى بنا حتى بلغنا ما بلغناه من رؤية ترتكز على مفهوم المفاصلة والإقصاء.

أخذت أسأل نفسي: ألسنا نحن من أطرنا حياتنا في إطار هذا القانون الحدي، الذي اختزَلنا في مساحة ضيقة من قانون الندرة، بالرغم من إرادة الله لنا بأن نعيش ضمن مساحة واسعة في قانون الوفرة؟ فالله لم يجعلنا شعوبا (أو) قبائل وهو ما يندرج في قانون الندرة، وإنما جعلنا شعوبا (و) قبائل وهي دلالة قانون الوفرة؛ أليس هو جل جلاله من استنكر في محكم كتابه على أولئك الذين اختزلوا النعيم في طائفة دون أخرى بقوله (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).

ترى لماذا حَجّرنا واسعا على أنفسنا وأصبحنا غارقين في متاهة هذا النسق الذهني الحاد، القائم على إما أن تكون معي أو ضدي؟ ذلك النسق الذي تتحكم في ملامحه الطبيعة الأحادية، وتنعدم فيه قيمة المشاركة، وهو للأسف ما بات منعكسا على واقع خطابنا الثقافي اليوم، إذ صرنا منقسمين بين متناظرات حدية ترتكز على ثقافة المفاصلة والإقصاء، كالتحزب للسنة في مقابل الشيعة، والبدو في مقابل الحضر، والأصل في مواجهة الخضيري، والمحافظ في مقابل المنفتح، والمرأة في مقابل الرجل وفق ما يطرحه صقور النسوية، وهكذا. والسؤال: هل قدرنا أن نعيش هذا النسق الحدي في حياتنا؟ ألا يمكن أن نعيش معا متشاركين في الحقوق والواجبات، ملتزمين بقيم العدل والإحسان تحت مظلة حرف «الواو»؟

تذكرت كل ذلك وأنا أستعيد ببصري صور ما أشاهده من تحزب مقيت، وخطاب عنصري بغيض، تمتلأ به وسائط التواصل حين ظهور أي نقاش عرضي في أمر دنيوي، ومن ذلك ما يثار تحت وسم «هوية الحجاز» على منصة تويتر، الهادف إلى إقصاء نخبة من المجتمع بحجة أن مرجعهم التاريخي يعود إلى بلدان عربية ومسلمة متنوعة، قدموا قبل عقود طويلة وربما قرون بهدف المجاورة، فعاشوا في رحاب الحرمين آمنين مطمئنين، يأتيهم رزقهم رغدا استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام، لكن ذلك لم يرق للبعض ممن ينتمون لتلك المفاصلة الحدية، فعمدوا إلى تأكيد اختزال هوية الحجاز التاريخية في عرق مجتمعي معين، متناسين أن بالإمكان أن تكون الهوية جامعة بين أبناء القبائل العربية الأصيلة المجاورة للبيت العتيق، وأبناء المجاورين من أقطار الأرض، أولئك الذين نذروا أنفسهم للعيش في جوار بيت الله ومسجد رسوله حبا وشوقا وتبتلا.

أشير أخيرا إلى أن الغرب المتقدم ما كان ليصل إلى ما وصل إليه من تطور لو بقي محتفظا بسلطة «أو» الحدية في قرارة نفسه، ولذلك عمد إلى أن يتحرر من قيدها مبكرا، وأفسح المجال لـ»واو» المعية المؤمنة بثقافة المشاركة لتكون عنوانا لحياته، وبلغ ما بلغه اليوم من تطور ورفعة، دون حساسية أو استشعار غُبن وظلم من الآخر الفاعل في مجتمعه بإيجابية، ولم يقتصر على ذلك، بل تراه مقاوما لكل دعوات الشيطان المقيتة التي تريد أن تعيد ثقافة «أو» إلى كفة الميزان في حياتهم العامة.

ذلك ما أجبت به ملهمي، ورجوته في وجداني، فالأرض كلها لله، ونحن جميعا خلقه، وما أصدق قول الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته الخالدة «الطين»: يا أخي لا تمل بوجهك عني/ ما أنا فحمة ولا أنت فرقد.

فهل من مدرك واع؟!

zash113@