عبدالله المزهر

موت الحياة..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 04 مارس 2020

Wed - 04 Mar 2020

قال أحمد شوقي رحمه الله في وقت مضى: قف دون رأيك في الحياة مجاهدا/ إن الحياة عقيدة وجهاد.

وحين ولدت الحياة - الصحيفة طبعا - أخذت الشطر الثاني شعارا لها، وتركت الأول ربما لأنها أدركت أنه سيأتي عليه وقت لن تكون فيه قادرة على الوقوف دون وجودها ناهيك عن رأيها.

ثم «جلست» دون رأيها واختارت الموت الكامل، لم يتوقف فقط إصدارها الورقي، ولكنها غادرت الحياة بكل ما يتعلق بها، فغادرت الكترونيا وورقيا.

والحقيقة أن الأمر محزن - وهذه عادة الموت في مكان، فالحياة كانت صحيفة عريقة ممتعة مر بها ومن خلالها كثير من الرواد.

ربما يكون موضوع الحياة مختلفا قليلا عن بعض الصحف لتفاصيل لست ملما بها بشكل واضح، لكنها في المجمل عانت مما تعاني منه بقية الصحف، سواء الحكومية أو شبه الحكومية.

وإن كانت معاناة الصحيفة قد انتهت بالموت، فإن معاناة أخرى يبدو أنها ولدت بعد موت الصحيفة، وأعني مستحقات العاملين فيها، وهذا النوع من المعاناة هو هاجس موجود لدى كل صحفي أو عامل في صحيفة، حتى تلك التي لا زالت على قيد الحياة ولم تلق حتفها بعد، الفارق الوحيد أن العاملين في الصحف التي لا زالت تتنفس - حتى ولو بصعوبة - يمارسون تفاؤلا في غير محله بأن الغد أفضل، أما الذين ينتظرون مستحقاتهم من صحيفة متوفاة فإن التفاؤل لديهم يكاد يكون معدوما.

والحقيقة أيها الناس أن موت الصحافة السعودية رحمة لها، كما هو الحال مع كل مريض لا يرجى شفاؤه، كل يوم يزيد في حياتها هو يوم إضافي من الألم والمعاناة من الحاضر والخوف من المستقبل.

وأول أمراض الصحافة السعودية هو التشابه والتقليدية، فواحدة منها تغني عن البقية، لا تتوقع أن تجد خبرا أو رأيا أو تحليلا في صحيفة ما غير موجود في أخرى، لأنها جميعا «تمشي جنب الحيط»، حتى حسابات الصحف الرسمية على مواقع التواصل تبث الأخبار نفسها بالصيغة نفسها وأحيانا بالأخطاء نفسها.

وقد قلت مرارا - وفقني الله - بأن مشكلة الصحافة السعودية بشكل خاص والإعلام السعودي بشكل عام لا تتعلق بالوعاء، فليست المشكلة في كونها ورقية أو الكترونية أو أي وعاء آخر، لكنها مشكلة محتوى أولا وأخيرا.

وأنا والقراء والصحفيون ورؤساء التحرير ووزير الإعلام نعلم هذه الحقيقة، وهذه مشكلة أخرى. لأنه من المعلوم أن حل أي مشكلة يبدأ بالاعتراف بها، ولكن مشكلة الصحافة السعودية أن الجميع يعترف بوجودها ثم تنتهي الحلول عند هذا الاعتراف.

وعلى أي حال..

إني أقترح على وزير الإعلام الجديد أن يبادر في حل هذه المشكلة، والحل غالبا لا يخرج عن أحد أمرين، إما دعم الإعلام ومساعدته في رفع سقف حريته، إضافة إلى دعم الصحف وإعطائها مستحقاتها المالية، أو إغلاقها نهائيا وإطلاق رصاصة الرحمة على هذا الجسد المريض الذي ينتظر الموت أكثر مما يفكر في الحياة.

agrni@