فهد عبدالله

برهة الصمت

الأربعاء - 04 مارس 2020

Wed - 04 Mar 2020

قد يمر أحدنا بتجارب عديدة تتحكم فيها عاطفته على موقفه ورأيه، بينما لو كان في ظروف مختلفة وحال غير الحال التي كان عليها لربما تغير الموقف والرأي، وهذا الأمر ينسحب كثيرا في شتى مجالات الحياة المختلفة، فمثلا شعور التعب والإرهاق بعد يوم طويل يجعل مثلا التصرفات تميل إلى تأجيل المهام، وشعور الفرح أو الانتصار يقلل من حدة المواقف الغاضبة في تلك الأثناء، وقس على ذلك، مما يقودنا إلى أمر في غاية الأهمية وهو كيفية التحكم بالعواطف وترصيف مسارها مع خيارات العقل والحكمة والأولويات.

وهذا الأمر قد يستساغ فيه التحكم بالعواطف في مواقف، وفي مواقف أخرى قد يكون فيها الصعوبة بالغة لمحاولات التحكم، وهنا تأتي أهمية التأملات الشخصية من حيث تنوع المشاعر التي يمر بها الإنسان وعلاقتها بالتصرفات والأفكار والآراء، ومع مزيد من التأملات الشخصية التي هدفها استخلاص الحكمة والصوابية من خلال المواقف المتراكمة سيجد الإنسان أنه لديه خطوات متباعدة ومتقدمة في كيفية الربط الذكي بين التصرفات والآراء مع المشاعر المختلفة.

وكثيرة تلك المواقف التي نشاهدها ونمارسها يوميا بأن يكون الموقف فيه يتأثر بالحالة المشاعرية تجاهه ابتداء، وقد ينضج بعد ذلك عندما يأخذ تأملا موضوعيا بعد ذلك، فكانت برهة الصمت القصيرة الأجل في مواقف كثيرة هي الخلوص الآمن والتفاعل الحكيم في ذلك الموقف والرأي، وكلما كانت المشاعر والمواقف أكثر تعقيدا كانت زيادة الوقت في برهة الصمت خيارا حكيما يزيد من احتماليات صوابية المواقف والآراء.

لذلك كان إصدار الأحكام المعلبة الفورية أكبر آفة تعرض علاقة المشاعر بالأفكار والمواقف إلى الاهتزاز ولربما الانهيار، والإشكالية هنا ليست في صدق العاطفة ولكن في نقص المعلومات الموجودة، فضلا عن الخضوع الكبير الذي يحدث لسطوة العاطفة وتوجيه الفكر والمواقف على ضوئها، وصدق العاطفة في المواقف المختلفة ليست ختما أحمر تغلف به صحة جميع المواقف، لأنها مرتبطة بحيز إدراكي شخصي محدود لا يمكن له أن يكتمل أبدا.

وكما أن المشاعر قد تسيطر على المواقف والأفكار فالعكس أيضا صحيح، قد تجد مجموعة الأفكار السابقة لها تأثير أيضا كبير على المشاعر وطريقة تكوينها والقصة التي ذكرها ستيفن كوفي في كتابه المتوهج العادات السبع للناس الأكثر فعالية عن الأطفال المشاغبين في القطار، والذي جعل من ركاب القطار يتوجهون باللائمة على أبيهم لماذا لا يضبط تصرفات الأبناء، بعدها أخبرهم وهو بحالة حزينة جدا بأن والدتهم قد توفيت قبل قليل، ولا أريد أن أمارس شيئا من الضغط عليهم. بعد ذلك تغير موقف الركاب تغيرا جذريا ودراماتيكيا من خلال ملاطفة الأبناء واللعب والتعاطف معهم.

وكذلك الموقف الآخر الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لرجلين من الأنصار «على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي»، ثم قال «إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا»، وفي هذا الحديث تبرز أهمية التصورات السابقة وما قد تؤثر به على المشاعر والتصورات الجديدة، فضلا عن عامل الغواية الشيطاني الذي يثير الظنون ويؤكد محدودية الإدراك.

برهة الصمت، سواء كانت قصيرة أو طال أمدها على حسب نوع الأحداث والأفكار وتعقيدها هي الملاذ الحكيم الأولي الذي قد يجعل المشاعر والتصرفات أكثر تهذيبا واتزانا وموضوعية، وبعد ذلك يأتي تناول العقل من خلال إحاطة المعلومات ومنظور الخبرات السابقة والهدوء النفسي التي يرافقها، وما أودعه الله في الإنسان من حكمة تكون تلك التجليات التفاعلية التي تميل كثيرا إلى الحكمة والصوابية.

fahdabdullahz@