مرزوق تنباك

المبالغة بالحذر والتوقي

الثلاثاء - 03 مارس 2020

Tue - 03 Mar 2020

نحمد الله أننا في صحراء الجزيرة العربية التي تشرق عليها الشمس أكثر من اثنتي عشرة ساعة في اليوم، ونحمد الله أنها لم تنخفض عندنا درجة الحرارة إلى ثلاثين تحت الصفر - كما يحدث في بعض البلاد التي لا تتوقف الدراسة فيها - حتى وإن ارتفعت خمسين فوقه، ونحمد الله أن الشمس لم تغادر سماءنا نصف العام دون أن نراها، وتشرق علينا في النصف الآخر دون انقطاع، ونحمد الله أن العواصف التي تجتاح العالم كل عام وتصل سرعتها في بعض البلاد المعمورة إلى مئتي ميل في الساعة لم تحدث عندنا قط . ونحمد الله أنه لا توجد لدينا غابات نخشى الحرائق عليها وحتى الأمطار ومنها كل شيء حي لا تستمر عندنا ولا تدوم.

ذكرني فضل هذه النعم علينا ما حدث يوم الأربعاء الماضي من هبة رياح رقيقة حملت معها بعض الأتربة والغبار الشفيف في منطقة محدودة من المملكة، فأعلنت القلوب الرحيمة الرفيقة الرقيقة المسؤولة عن التعليم حالة الطوارئ، وسبقت الأحداث وعطلت المدارس والجامعات حتى لا تخدش ذرات التراب المتطاير مع الهواء رقتنا ونعومتنا، وتذوب فيها بشاشتنا ونضارتنا ولا نرى شيئا يعكر صفو يومنا. كل شيء توقف بشكل لا يستطيع أحد فهمه أو تفسيره إلا نحن، ومن الغريب أن صباح ذلك اليوم قد مكر بنا وبما أصابنا من رعب وكأنه أراد أن يسخر منا ومن خوفنا ووجلنا، فجاء صباحا مشرقا نظيفا مكذبا كل ما نخشاه فسطعت شمسه مبكرا، وهب فيه هواء عليل ينعش النفس ولا يكدر المزاج، فلم يكن أجمل ولا أحسن من صباح ذلك اليوم المعطل من العمل للعلم والمعرفة.

أفهم حالة الحذر والتوقي في بعض الحالات القليلة النادرة عند حدوث أسبابها لكن لا أفهم ولا يستطيع أحد أن يفهم المبالغة في الحذر والرعب الذي يصاحب بعض التغيرات المناخية البسيطة تلك التي تحدث بين الفينة والأخرى، ولا تستمر أكثر من ساعات وليس فيها أخطار تخشى، ولم يحدث أن حصل شيء غير عادي في الماضي، فأجواؤنا مثلنا ولله الحمد طيبة هادئة ناعمة ومسالمة، لا تغضب ولا تهاجم ولا تغير مزاجها الذي نعرفه عنها بسرعة، وليس فيها مفاجآت طارئة، تلك نعمة من الله علينا وفضل منه. لكن أن تكون الدراسة والاستمرار بها في هذه السهولة عند كل حالة يتغير فيها الطقس أو هبوب عاصفة أو تغير بسيط في المناخ يعطل التعليم وتغلق مؤسساته؛ فهذا ما لا يقبل العمل به من نواح عدة.

من الناحية التربوية يعد الأمر تعويدا للطلاب على التهاون في قيمة اليوم الدراسي الذي يذهب هدرا دون مبرر مقبول، يمكن أن يعلل به التوقف عن الدراسة حتى ولو يوما واحدا، ومن الناحية العملية يكون في الانقطاع حتى لو كان بسيطا اضطراب في ساعات المنهج، وتداخل فيه قد يصعب تعويض الساعات الفائتة في اليوم التالي، ويحصل تجاوز للمواد التي قد يكون من الأفضل التزام التراتبية فيها. أما من الناحية السلوكية فإن ذلك يعود الطلاب والمعلمين على الكسل وقلة الاهتمام ويعودهم على البحث عن الأسباب التي يمكن أن تتوقف فيها الدراسة، ولو كانت واهية أو غير خطيرة ولا مقبولا السبب الذي من أجله توقفت الدراسة.

وفي الأخير فإن الجميع يعرفون أن أيام الدراسة في المملكة تعد من أقل الأيام، ويكفي أن العطلة الدراسية في العام الماضي كانت أكثر من ثلث أيام السنة، غير ما يتخلل الدراسة من العطل الدينية والأعياد والمناسبات الأخرى، وذلك لا يبرر اقتطاع أي يوم من أيام العام الدراسي القليلة دون سبب معقول.

Mtenback@