مؤشرات الأداء ووهم الإنجاز!
الأحد - 01 مارس 2020
Sun - 01 Mar 2020
يكاد يكون هذا العصر هو عصر التقنين بامتياز، حيث يراد للممارسات الإدارية والتنفيذية أن تخرج من دائرة الاجتهاد لتتبع أنماطا وظيفية محدده، ويقيم نجاحها من عدمه من خلال أدوات قياس ومؤشرات أداء معينة، وهذا مما لا شك فيه أنه يمثل خطوة جيدة نحو التطوير والارتقاء بجودة الخدمات وكفاءة المخرجات، لكن تظل الإشكالية الرئيسة فيما نشاهده أحيانا من التوظيف العجيب لبعض مؤشرات الأداء، سواء على مستوى الاختيار أو تفسير النتائج، وهو ما قد يولد - أحيانا - الشعور الوهمي بالإنجاز والتميز.
ودعونا نتأمل بداية واقع هذه المؤشرات في نطاق التعليم العالي كمثال على ما سبق، حيث نجد أننا أمام كم لانهائي من هذه المؤشرات، مثل: نسبة نشر البحوث العلمية لكل جامعة، نسبة توظيف خريجي كل جامعة، معدل رضا الأساتذة والطلبة عن الأنشطة والخدمات الجامعية، النسبة الكلية لعدد الطلاب لأعضاء هيئة التدريس، النسبة الكلية للكادر الإداري للتدريسي، العبء التدريسي على مستوى الجامعة، عدد المبتعثين، عدد الكتب المنشورة، معدلات اجتياز الخريجين للاختبارات العامة..إلخ.
نتفق بداية على أن المؤشرات السابقة جيدة لمعرفة الأداء العام للجامعة مقارنة بغيرها، لكنها فعليا تقدم قليلا فقط من المعلومات المهمة عن جوانب القوة والضعف التفصيلية في هذه الجامعات، وبالتالي لا يمكن الاستفادة منها في تطوير الأداء التنفيذي هناك وأحيانا لا تحظى بذلك القبول في الميدان الأكاديمي، فمثلا، ذكرت إحصائية أن نسبة الطلبة لأعضاء هيئة التدريس في إحدى الجامعات قد تصل إلى 15 طالبا لكل عضو هيئة تدريس، لكن ستفاجأ بوجود تكدس طلابي كبير في بعض المقررات الدراسية قد يصل إلى 50-80 طالبا. كذلك عند الحديث عن معدل اجتياز الخريجين للاختبارات المعيارية العامة ستجد أن النسبة العامة - سواء كانت مرتفعة أم متدنية - لا تقدم معلومات مفيدة عن أداء خريجي الكليات بشكل تفصيلي ولا عن علاقة هذه الاختبارات بالبرامج التعليمية التي تقدمها هذه الكليات.
وفي السياق نفسه، سنجد أن الحديث عن نسبة توظيف الخريجين بشكل عام غير مفيدة في معرفة العلاقة المباشرة بين احتياجات سوق العمل والبرامج التعليمية. وعلى مستوى البحث العلمي، قد نجد جامعة متقدمة في عدد البحوث العلمية المنشورة مقارنة بغيرها رغم أن 50-70% من حجم النشر قد يتبع لقسم أو كلية علمية واحدة، وبالتالي فإن التفسير العلمي الجاد لهذه الإحصائية ينبغي أن يتوجه لمعرفة الخلل الذي أدى لهذا التفاوت الكبير في النشر بين التخصصات.
لب هذه المشكلة يكمن في جانبين، أولهما: عدم توافق مؤشرات أجهزة الإحصاءات والقياس والتقويم مع مناهج وممارسات الكيانات التي تعنى بتقييمها، مما يخلق فجوة بين الواقع والمأمول، وكذلك الجنوح نحو التوظيف الإعلامي الدعائي لبعض المؤشرات الإحصائية، مثل الضجة التي أثارها الإعلام البريطاني حول تصريح جامعة نيوكاسل بأنها من ضمن أعلى 1% من الجامعات العالمية في تصنيف QS للجامعات عام 2016، رغم أن ترتيبها الفعلي هو 181 بين 1000 جامعة معظمها من دول العالم الثالث!
إن الرسالة التي يحاول هذا المقال تأكيدها هي دعوة الجميع للخروج من شعور «الإنجاز الوهمي» الذي تمنحه بعض مؤشرات الأداء والمتوسطات الإحصائية «البليدة»، التي قد لا تعني أحيانا سوى تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات، والتوجه نحو إنشاء مراكز إحصائية متخصصة بكل منشأة تستطيع من خلالها قياس أدائها بكل تجرد وحيادية، ووفق مؤشرات أداء تستطيع مساعدتها في الارتقاء بمنظومة العمل لديها.
@falmalki1
ودعونا نتأمل بداية واقع هذه المؤشرات في نطاق التعليم العالي كمثال على ما سبق، حيث نجد أننا أمام كم لانهائي من هذه المؤشرات، مثل: نسبة نشر البحوث العلمية لكل جامعة، نسبة توظيف خريجي كل جامعة، معدل رضا الأساتذة والطلبة عن الأنشطة والخدمات الجامعية، النسبة الكلية لعدد الطلاب لأعضاء هيئة التدريس، النسبة الكلية للكادر الإداري للتدريسي، العبء التدريسي على مستوى الجامعة، عدد المبتعثين، عدد الكتب المنشورة، معدلات اجتياز الخريجين للاختبارات العامة..إلخ.
نتفق بداية على أن المؤشرات السابقة جيدة لمعرفة الأداء العام للجامعة مقارنة بغيرها، لكنها فعليا تقدم قليلا فقط من المعلومات المهمة عن جوانب القوة والضعف التفصيلية في هذه الجامعات، وبالتالي لا يمكن الاستفادة منها في تطوير الأداء التنفيذي هناك وأحيانا لا تحظى بذلك القبول في الميدان الأكاديمي، فمثلا، ذكرت إحصائية أن نسبة الطلبة لأعضاء هيئة التدريس في إحدى الجامعات قد تصل إلى 15 طالبا لكل عضو هيئة تدريس، لكن ستفاجأ بوجود تكدس طلابي كبير في بعض المقررات الدراسية قد يصل إلى 50-80 طالبا. كذلك عند الحديث عن معدل اجتياز الخريجين للاختبارات المعيارية العامة ستجد أن النسبة العامة - سواء كانت مرتفعة أم متدنية - لا تقدم معلومات مفيدة عن أداء خريجي الكليات بشكل تفصيلي ولا عن علاقة هذه الاختبارات بالبرامج التعليمية التي تقدمها هذه الكليات.
وفي السياق نفسه، سنجد أن الحديث عن نسبة توظيف الخريجين بشكل عام غير مفيدة في معرفة العلاقة المباشرة بين احتياجات سوق العمل والبرامج التعليمية. وعلى مستوى البحث العلمي، قد نجد جامعة متقدمة في عدد البحوث العلمية المنشورة مقارنة بغيرها رغم أن 50-70% من حجم النشر قد يتبع لقسم أو كلية علمية واحدة، وبالتالي فإن التفسير العلمي الجاد لهذه الإحصائية ينبغي أن يتوجه لمعرفة الخلل الذي أدى لهذا التفاوت الكبير في النشر بين التخصصات.
لب هذه المشكلة يكمن في جانبين، أولهما: عدم توافق مؤشرات أجهزة الإحصاءات والقياس والتقويم مع مناهج وممارسات الكيانات التي تعنى بتقييمها، مما يخلق فجوة بين الواقع والمأمول، وكذلك الجنوح نحو التوظيف الإعلامي الدعائي لبعض المؤشرات الإحصائية، مثل الضجة التي أثارها الإعلام البريطاني حول تصريح جامعة نيوكاسل بأنها من ضمن أعلى 1% من الجامعات العالمية في تصنيف QS للجامعات عام 2016، رغم أن ترتيبها الفعلي هو 181 بين 1000 جامعة معظمها من دول العالم الثالث!
إن الرسالة التي يحاول هذا المقال تأكيدها هي دعوة الجميع للخروج من شعور «الإنجاز الوهمي» الذي تمنحه بعض مؤشرات الأداء والمتوسطات الإحصائية «البليدة»، التي قد لا تعني أحيانا سوى تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات، والتوجه نحو إنشاء مراكز إحصائية متخصصة بكل منشأة تستطيع من خلالها قياس أدائها بكل تجرد وحيادية، ووفق مؤشرات أداء تستطيع مساعدتها في الارتقاء بمنظومة العمل لديها.
@falmalki1