فيصل الشمري

إدلب

السبت - 29 فبراير 2020

Sat - 29 Feb 2020

الحرب الأهلية السورية تصل إلى مشارف مرحلتها الأخيرة، آخر معاقل الصراع إدلب تزحف إليها قوات الأسد مدعومة من الدب الروسي. سوريا فعليا في حالة تقسيم في ظل سيطرة روسية وعلوية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من دمشق وصولا إلى حلب المسترجعة. في ظل الوجود الإيراني ممثلا بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله على ضفاف مرتفعات الجولان، وفي ظل الوجود الأمريكي وحلفائه قوات قسد من الجنوب وصولا إلى الشرق حتى محيط نهر الفرات وقاعدة تنف الاستراتيجية في الشمال الشرقي تحت سيطرتها.

يحتفظ محور روسيا ودمشق وإيران بالمبادرة العسكرية، إذ تشكل المناطق الساحلية بموانئها وقواعدها الروسية واستقرارها داعما للحراك العسكري السوري الذي استعاد جزءا كبيرا من تلك المناطق التي فقدها. تمتلك الولايات المتحدة وحلفاؤها الغالبية العظمى من حقول النفط والغاز الطبيعي التي تعد أكثر الأصول الاقتصادية قيمة في سوريا في الوقت الراهن.

في إدلب التي تعد آخر معاقل المعارضة المسلحة، تهدد التطورات الأخيرة بنهاية الثورة في سوريا، وعلينا التساؤل: ألم يتم إعلان إدلب «المنطقة الآمنة» من باب الاتفاق المبرم بين موسكو وأنقرة؟ تمثل إدلب ومنطقة الفرات المسيطر عليها من قبل القوات الأمريكية والكردية قسد جبهة حرصت دمشق وطهران وحتى موسكو على تجنب استهدافها. إن نهر الفرات هذا يمثل سقفا جيوسياسيا لدمشق على الرغم من الرغبة الماسة للسيطرة على سوريا بأكملها، إلا أنها لا تستطيع حتى البدء في هذه الأهداف في الشمال السوري دون إدلب.

استند اتفاق موسكو وأنقرة بإدلب إلى بضعة مبادئ عامة. أولا أن تركيا ستبني وتحافظ على 12 مركز مراقبة. ثانيا وافقت تركيا على إزالة جميع الحركات الأصولية كالقاعدة وأخواتها مع استبدالها بوكلاء معتدلين مؤيدين لتركيا. ثالثا إدلب سوف يعود إليها النازحون السوريون الموجودون داخل تركيا الذين يقدر عددهم بنحو 3 ملايين شخص. رغم الاتفاق على ذلك، انطلقت كل من موسكو ودمشق لشن هجوم لاستعادة إدلب. بغض النظر عن الجهود والوعود التي قامت بها تركيا يبدو أن الحقيقة الموقف يعكس أن الوكلاء المؤيدين لتركيا الجيس السوري الحر لا وجود له في إدلب، وأن جميع وكلاء تركيا في إدلب من الحركات الأصولية يتجولون بحرية في جميع أنحاء المنطقة، تركيا دعمت الحركات المتطرفة على حساب جماعات المعارضة السورية، سواء السياسية أو العسكرية، مما أدى إلى تدمير الجيش السوري الحر، أنقرة فعليا تجني ثمار سياستها غير المدروسة في سوريا.

حقيقة الأمر لا توجد طريقة واقعية للحفاظ على هذا الاتفاق. مصالح روسيا وتركيا وسوريا وإيران فيما يتعلق بإدلب تتعارض بشدة مع بعضها، دمشق تريد استعادة السيطرة على كل سوريا. تفضل أنقرة حكومة جديدة بالكامل في دمشق تتحافل معها أو على أقل تقدير بقاء إدلب تحت الوصاية التركية. وتفضل موسكو إنهاء الصراع والشروع ببناء تحالف دولي أممي لإعادة بناء سوريا مع البقاء في تدعيم العلاقات مع تركيا واستغلال التباعد بين الحكومة التركية وحلف الناتو. إيران تريد استمرار الصراع لأكثر وقت ممكن لزيادة التغير الديموغرافي في المناطق السنية، فعودة ملايين السوريين ستعطل وسيطرة الحكومة السورية بالتعاون مع روسيا على إدلب تضعفان طموحات إيران في السيطرة على الواقع السوري.

في الآونة الأخيرة تصاعدت التوترات داخل إدلب. قافلة عسكرية تركية تعرضت للقصف من قبل القوات السورية في أقصى جنوب إدلب، والضربة كانت عملية معقدة دقيقة لدرجة أنه لم يترك أي مجال للشك في أن موسكو هي التي ساعدت دمشق مباشرة في الاستهداف. وفي ضربة أخرى دقيقة مركزة قتل 32 جنديا تركيا وجرح العشرات، هذه الضربات رسائل من روسيا إلى تركيا.

لا شك أن روسيا سمحت للقوات السورية بدخول إدلب لاستعادة بعض المناطق. ومن الواضح أن القصد من ذلك هو تجنب ضرب القوات التركية واستهداف الوكلاء المؤيدين لتركيا. إنها رسالة مشؤومة مصحوبة بعلامات واضحة على أن الاستعداد لشن هجوم وشيك لاستعادة إدلب قد اكتمل تقريبا. الأمر الأكثر بروزا بالنسبة لأنقرة هو أن هناك مراكز مراقبة تركية محاصرة وراء خطوط العدو.

كل هذه الأحداث تحصل في وقت تسليم منصة الأسلحة المضادة للطائرات من طراز S-400 إلى تركيا. كان من المفترض أن تكون S-400 أداة ضغط لأنقرة ضد واشنطن. المفارقة هي أنه بعد تسليم المضادات إلى القوات التركية من الطيران ساعدت موسكو الحكومة السورية في استهداف مباشرة قافلة عسكرية تركية داخل منطقة اتفق الطرفان على الحفاظ عليها كمنطقة آمنة للنازحين، مما أدى لمقتل جنود أتراك.

موضوع النازحين داخليا له أهمية واضحة بالنسبة لأنقرة لأن وجود 3.7 ملايين سوري داخل تركيا يمثل قضية خلافية داخل المجتمع التركي. أي هجوم على إدلب سيزيد أعداد اللاجئين إلى تركيا، وذلك سيضاعف الضغط الداخلي على حكومة إردوغان التي تعاني من الركود الاقتصادي.

الإحراج واضح لأنه تحت أي ظرف من الظروف لا تريد تركيا مواجهة مباشرة مع روسيا. الضغط على أنقرة الآن من قبل روسيا بهدف الحصول على نفوذ ومكتسبات من واشنطن. الآن تجد أنقرة نفسها غير قادرة على وقف الهجوم على إدلب، ومن الصعب تخيل التزام موسكو ودمشق بهذا الطلب، إذ ليس لديهما سبب للإيقاف، والخاسر الأكبر هو إردوغان نفسه.

mr_alshammeri@