محمد أحمد بابا

النجاح الجمعي والنزعة الفردية

السبت - 29 فبراير 2020

Sat - 29 Feb 2020

منهج الدين والقرآن العظيم فوز المجموعة مقابل فئات أخرى، والتفضيل الجماعي استراتيجية الخيرية في الشريعة الإسلامية والديانات السماوية.

أما الانتقاء لواحد لم أعثر عليه أنا - على الأقل - في نصوص الترغيب والهداية والأجر والمجازاة.

وفي دين عيسى عليه السلام تحفيز لنا نحن المسلمين أن نكون أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم، فكانت النتيجة أن فازت طائفة وخسرت أخرى.

ولعل الموت مع الجماعة ليس رحمة بالمعنى الدنيوي العقلي كما شاع في الأمثال، وإنما الأمر لا يعدو كونه تشجيعا بأن للإحساس الجمعي والمصير الجماعي معنى آخر يختلف تماما عن الحكم الفردي. ففي القرآن مقاطع مثل لقد رضي الله عن الذين، السابقون الأولون، أصحاب اليمين، الصديقيين والشهداء والصالحين، الذين اتقوا ربهم، المتقين، الفائزون، المفلحون، الذين عملوا الصالحات، بقوم يحبهم ويحبونه... إلخ، من صيغ الجمع والمجموع والاشتراك.

وفي السنة مقاطع دالة على الشمولية الجمعية في الانتصار والمآل الطيب مثل (أصحابي، أحبابي، أحاسنكم، أهل بدر، المفردون... إلخ)، وذلك من نفس قيم الجماعة، وفرق العمل والتعاون على الفلاح الجمعي الذي لا ينفي نجاحا شخصيا.

ليهدينا ذلك إلى أن نجاح الأمم والمجتمعات - إن تفكرنا - هو بالمجموع سببا، وبالجماعة نتيجة، وبالتفاعل آلة وطريقة.

لكننا - مع الأسف - اخترنا التركيز على ترسيخ مفهوم الخيار الأوحد تحفيزا لتنافس غير شريف ولن يشرُف يوما.

الفائز واحد، والمصيب واحد، والطريق واحد، والحل واحد، وغير ذلك من النظريات مشكلة عظيمة في العقل الجمعي والاتجاهات الجماعية. ففي مجالات هامة وفي ميدان غير هام، وفي نطاقات اختلفنا فيها، بل حتى في اعتبارات لها من التحريم نصيب يعج فضاؤنا الإعلامي بمثل:

(الرابح الأكبر، ومزايين الإبل، وذا فيوس، وأراب آيدول، وشيف ستار، ونجم الكوميديا السعودي، تبعه في ذلك أمير الشعراء، وشاعر السلطان، وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وصلنا لأحسن قبيلة، وأكبر كبسة، وأعظم طعس، ثم وجدناهم ابتكروا للقرآن أحسن مزمار، وللسنة حافظ السند، وفي الرياضة حدّث ولا حرج من بطل الحارة وبطل الشارع وبطل المدينة وبطل الدولة وبطل القارة وبطل العالم وبطل العوالم وبطل أبطال الدنيا).

ثم نتساءل لم يقتل الناس بعضهم بعضا حقيقة ومجازا! ويقصي الناس بعضهم بعضا لمجرد أن يحظى بالصورة المركزة واحد، مع أن الصورة التذكارية تستطيع إظهار الكل والجميع، فقد أنقذنا (السلفي) من مرض التوحد النجاحي ليفوز (سلفي) المجموعات.

نحن من ضيقنا خيارات أوسع لنا رب العباد فيها، فتأزمت أنفسنا بأن النجاح لواحد فقط.

albabamohamad@