الجامعات الناشئة خطأ استراتيجي!
السبت - 29 فبراير 2020
Sat - 29 Feb 2020
كثير من الأكاديميين القدامى يظن أن الجامعات الناشئة خطأ استراتيجي، أو خلل فني كبير وقعت فيه وزارة التعليم، وأنه كان من المفترض على الوزارة قبل الإقدام على افتتاح جامعات جديدة أن تفكر ألف مرة ومرة في كيفية تشغيلها، أي من سيقوم على إداراتها العليا، ومن سيتولى التدريس فيها، وكان ينبغي مراجعة آليات التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس غير السعوديين، والتفكير مليا قبل الموافقة على اعتماد برامج الدراسات العليا، وفي المقابل هناك فئة ترى العكس تماما، أي إن هذه الجامعات الناشئة تعد نقلة كبيرة في الحركة التعليمية، بغض النظر عن أدائها، ونوعية البرامج التي تقدمها، وبين هاتين الفئتين فئة ثالثة، ترى أن افتتاح جامعات جديدة أمر طبيعي، وضرورة من ضرورات التقدم والنماء، ولكن يجب أن تخضع لأنظمة صارمة، ورقابة عالية، مع اختيار قيادات شابة وذات فكر متميز تقود دفة العمل الأكاديمي فيها.
ولكل فئة من الفئات الثلاث مخاوفها، ولها طموحاتها التي هي في الأصل تنبع وتنطلق من منطلقات وطنية، إلا أن الوضع الذي قامت عليه الجامعات الناشئة يعطي انطباعا مخالفا، كالمثل الشعبي القائل «خطط في الماء واقرص في حجر»، بمعنى أنها قامت وكفى، بغض النظر عن الآراء المتوافقة معها أو المختلفة عنها، أو فلنقل إنها وجدت لتنمو وتتكيف مع الظروف، بينما الوضع الأمثل أن تكون هي من يكيف الظروف، وينمو بالمجتمعات، ويحدث التغيير في كل مناشط الفكر والحياة. ونرجو من معالي الوزير أن يعطي مساحة واسعة للتنوع عند اختيار أمناء مجالس الجامعات، ورؤسائها، وقادتها، حتى يتنوع الفكر، ويتضاد، ويتمحص، فينتج لنا هذا النوع من الحراك فكرا أكاديميا راقيا، يأتي معه التطور الفعلي، والنقلة النوعية الحقيقية التي ينشدها المجتمع الأكاديمي، فنحن لا نريد أن نعيد صياغة الماضي في ثياب المستقبل!
يقول أحد الزملاء إنه قبل عشر سنوات أو تزيد كان رئيسا لقسم ما في جامعة محلية، وذات مرة جاءه أستاذ غير سعودي، متعاقد مع إحدى الكليات الخاصة، ويرغب في الانتقال والعمل معهم، لحاجتهم في القسم، ولما يراه في نفسه من مؤهلات، فكُوّنت لجنة خاصة للنظر في طلب هذا الأستاذ، ومقابلته، ومن ثم الحكم. يقسم الزميل أن اللجنة صدمت لما رأت، وغضبت مما وجدت، فاعتذروا للأستاذ بلطف، وصرفوا النظر عن طلبه، طبعا المشكلة ليست هنا، فهذا أمر يحدث في كل جامعات العالم، ولكن المشكلة، أو سموها الكارثة إن شئتم؛ أن هذا الأستاذ منذ ذلكم الوقت وإلى اليوم، يعمل عضو هيئة تدريس في جامعة ناشئة، تزعم على لسان مديرها أنها جامعة المستقبل الحديثة!
في اعتقادي أن الخلل ليس في افتتاح الجامعات الناشئة، ولا في كثرتها، ولكن الخطأ في إدارات بعضها، وليس كلها، والخطأ الذي أعنيه هو في طريقة اختيار القادة ابتداء، على مختلف درجاتهم الوظيفية، لأننا لا نناقش شخوصا بعينهم، بل نناقش فكرهم الأكاديمي، وفلسفتهم في الإدارة بشكل عام، فهناك قيادات أكاديمية في بعض الجامعات الناشئة كانوا وإلى وقت قريب يعملون في مدارس التعليم العام، أو في شؤون الموظفين، أو كانوا محضري مختبرات، ثم تحولوا فجأة للقيادة الجامعية. ليست حالة أو اثنتين، بل أكثر، والخطأ الاستراتيجي هنا يكمن في مثل هذه الجزئيات، التي تبدو صغيرة في نظر البعض، لكنها في ميزان الوطن كبيرة وكبيرة جدا، إذ لا يمكن أن نتصور النجاح لجامعاتنا الناشئة طالما غاب عنها الفكر القيادي الواعي، أو كما أحب أن أشير إليه دائما بـ «التكنوقراطي».
الجامعات الناشئة في أصل تكوينها ليست خطأ استراتيجيا، ولا خللا فنيا، ولكنها ستكون كذلك إن هي فقدت أسباب الإدارة الواعية، ذات الفكر المتنور، وإن هي استنسخت برامجها التعليمية من غيرها استنساخا كاملا، وهذا مع الأسف هو الحاصل، وستكون متميزة متى ما تجاوزت الدعايات الهلامية، والبهرجات الإعلامية، وبدأت تعمل بشكل مختلف عن غيرها، وتهتم بالمحتوى العلمي، وتركز على لبّ العلوم الطبيعية والإنسانية، وتتجاوز ما لا فائدة منه، مع الأخذ بعين الاعتبار المعلومات الجيومكانية والتوبولوجية لكل جامعة ناشئة، بحيث يسهل تصحيح محاكاة البيئة التي تنتمي لها كل جامعة! وفوق هذا وذاك، لا بد من الدعم المالي الحكومي للجامعات الناشئة، حتى تخرج من طور التنشئة، وتحلق عاليا، كما هو المؤمل والمتوقع!
drbmaz@
ولكل فئة من الفئات الثلاث مخاوفها، ولها طموحاتها التي هي في الأصل تنبع وتنطلق من منطلقات وطنية، إلا أن الوضع الذي قامت عليه الجامعات الناشئة يعطي انطباعا مخالفا، كالمثل الشعبي القائل «خطط في الماء واقرص في حجر»، بمعنى أنها قامت وكفى، بغض النظر عن الآراء المتوافقة معها أو المختلفة عنها، أو فلنقل إنها وجدت لتنمو وتتكيف مع الظروف، بينما الوضع الأمثل أن تكون هي من يكيف الظروف، وينمو بالمجتمعات، ويحدث التغيير في كل مناشط الفكر والحياة. ونرجو من معالي الوزير أن يعطي مساحة واسعة للتنوع عند اختيار أمناء مجالس الجامعات، ورؤسائها، وقادتها، حتى يتنوع الفكر، ويتضاد، ويتمحص، فينتج لنا هذا النوع من الحراك فكرا أكاديميا راقيا، يأتي معه التطور الفعلي، والنقلة النوعية الحقيقية التي ينشدها المجتمع الأكاديمي، فنحن لا نريد أن نعيد صياغة الماضي في ثياب المستقبل!
يقول أحد الزملاء إنه قبل عشر سنوات أو تزيد كان رئيسا لقسم ما في جامعة محلية، وذات مرة جاءه أستاذ غير سعودي، متعاقد مع إحدى الكليات الخاصة، ويرغب في الانتقال والعمل معهم، لحاجتهم في القسم، ولما يراه في نفسه من مؤهلات، فكُوّنت لجنة خاصة للنظر في طلب هذا الأستاذ، ومقابلته، ومن ثم الحكم. يقسم الزميل أن اللجنة صدمت لما رأت، وغضبت مما وجدت، فاعتذروا للأستاذ بلطف، وصرفوا النظر عن طلبه، طبعا المشكلة ليست هنا، فهذا أمر يحدث في كل جامعات العالم، ولكن المشكلة، أو سموها الكارثة إن شئتم؛ أن هذا الأستاذ منذ ذلكم الوقت وإلى اليوم، يعمل عضو هيئة تدريس في جامعة ناشئة، تزعم على لسان مديرها أنها جامعة المستقبل الحديثة!
في اعتقادي أن الخلل ليس في افتتاح الجامعات الناشئة، ولا في كثرتها، ولكن الخطأ في إدارات بعضها، وليس كلها، والخطأ الذي أعنيه هو في طريقة اختيار القادة ابتداء، على مختلف درجاتهم الوظيفية، لأننا لا نناقش شخوصا بعينهم، بل نناقش فكرهم الأكاديمي، وفلسفتهم في الإدارة بشكل عام، فهناك قيادات أكاديمية في بعض الجامعات الناشئة كانوا وإلى وقت قريب يعملون في مدارس التعليم العام، أو في شؤون الموظفين، أو كانوا محضري مختبرات، ثم تحولوا فجأة للقيادة الجامعية. ليست حالة أو اثنتين، بل أكثر، والخطأ الاستراتيجي هنا يكمن في مثل هذه الجزئيات، التي تبدو صغيرة في نظر البعض، لكنها في ميزان الوطن كبيرة وكبيرة جدا، إذ لا يمكن أن نتصور النجاح لجامعاتنا الناشئة طالما غاب عنها الفكر القيادي الواعي، أو كما أحب أن أشير إليه دائما بـ «التكنوقراطي».
الجامعات الناشئة في أصل تكوينها ليست خطأ استراتيجيا، ولا خللا فنيا، ولكنها ستكون كذلك إن هي فقدت أسباب الإدارة الواعية، ذات الفكر المتنور، وإن هي استنسخت برامجها التعليمية من غيرها استنساخا كاملا، وهذا مع الأسف هو الحاصل، وستكون متميزة متى ما تجاوزت الدعايات الهلامية، والبهرجات الإعلامية، وبدأت تعمل بشكل مختلف عن غيرها، وتهتم بالمحتوى العلمي، وتركز على لبّ العلوم الطبيعية والإنسانية، وتتجاوز ما لا فائدة منه، مع الأخذ بعين الاعتبار المعلومات الجيومكانية والتوبولوجية لكل جامعة ناشئة، بحيث يسهل تصحيح محاكاة البيئة التي تنتمي لها كل جامعة! وفوق هذا وذاك، لا بد من الدعم المالي الحكومي للجامعات الناشئة، حتى تخرج من طور التنشئة، وتحلق عاليا، كما هو المؤمل والمتوقع!
drbmaz@