عبدالله المزهر

صديقك من «سلّك» لك..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 26 فبراير 2020

Wed - 26 Feb 2020

لا أنكر أني أحب الأصدقاء «المسلكاتية» أكثر من الأصدقاء الذين يصرون على الفهم قبل أن يدلوا بدلوهم في أي شأن، حين أكتب مقالا على سبيل المثال فإني أميل أكثر إلى محبة الصديق الذي يقول لي بحماس إنه لم يقرأ في حياته مقالا أجمل منه، يعجبني كلامه وأفرح به وأجد أنه صديق عظيم، مع أني أعلم يقينا أنه لم يقرأ المقال من الأساس.

حين أشتري سيارة أو أثاثا أو أي منتج صغر أو كبر ثم يخبرني أني أحسنت الاختيار وأنه معجب متيم بطريقتي في اقتناء الأشياء وحسن تدبير، فهو لا شك الصديق الذي أبحث عنه.

الزوج العظيم ـ من أمثالي وأضرابي وأشباهي ـ هو الذي حين تسأله زوجته عن ثيابها أو زينتها أو ملامحها فإنه يصر على أن وجودها في حياته يقوي إيمانه، لأنه يجعله يدرك عظمة خالق الجمال جل شأنه، وأنه لم ير قط في حياته منظرا أبهى ولا أجمل من منظرها، وإن زاد على ذلك بأنه لا يتوقع أن يرى في المستقبل أيضا فهو لا شك من كبار المسلكين الذين يعيشون في سعادة وهناء وحبور.

لكن التسليك أيها الفضلاء والفواضل ليس أمرا محمودا على الدوام، ففي بعض الأحيان يكون ضارا مؤذيا، هو سلوك حسن في «أوقات السعة»، لكن حين تواجه وضعا صعبا أو تقع في مشكلة أو ترتكب حماقة ما فإن التسليك هو آخر ما تحتاجه من أصدقائك. في هذه الحالة يكون التسليك أليق بالأعداء والكارهين الذين يريدون أن «تغرق» أكثر.

وهذا شأن لا ينطبق على الأفراد فحسب، بل ينطبق على المنظمات والشركات والحكومات، خاصة الأخيرة هذه، فهي في كل مكان وزمان تعشق التسليك والتسليك المضاد، والبعض من الإعلاميين وأصحاب «الرأي» يفهمون هذه الرغبة أو الغريزة الحكومية فيبدعون في أدائها. بعضهم لو كان في لقاء مباشر ثم فاجأه المذيع وقال له:

وصلنا الآن بأن الحكومة قررت زراعة البطاريق لتعزيز مهارات الشباب في كرة القدم فما رأيك في هذه الخطوة؟ لأجاب دون تردد: لا شك أنها خطوة مهمة وتتوافق مع الرؤية وتدل على وعي الحكومة بمتطلبات المرحلة وستوفر مئة ألف وظيفة.

ولا أشك لوهلة أن الحكومات تعلم أن هؤلاء يكذبون ولكنها تسلك لهم هم أيضا فما جزاء التسليك إلا تسليك مثله. وهذا وضع يمكن وصفه بأنه «win-win deal» كما يقول الأعاجم. يشبه إلى حد ما طريقة التعامل مع الزوجة الذي سبقت الإشارة إليه قبل عدة أسطر، انبهر بمظهري مهما كان واضمن لنفسك حياة خالية من النكد.

وعلى أي حال..

حتى وإن كنت أحب أصدقائي الذين يسلكون لي أكثر من غيرهم، إلا أني لا أنكر معرفتي يقينا بأن أصدقائي الوقحين يحبونني أكثر من غيرهم، لكني لا أحب الاستماع إليهم لأنهم يفسدون عليّ متعة الاستمتاع باللحظة، وأنا أحب الاستمتاع بوهمي اللذيذ أكثر مما أحب أصدقائي جميعا، وأظن الجميع يفعل ذلك.

agrni@