شاهر النهاري

كلنا أعزّة قوم تقاعدوا

الاثنين - 24 فبراير 2020

Mon - 24 Feb 2020

بعد مقالتي الأسبوع الماضي بعنوان (ارحموا عزيز قوم تقاعد)، وصلتني تفاعلات عديدة من ضباط متقاعدين أبدوا رضاهم بما جاء في ثنايا المقال من تفهم لظروف حياتهم ومحاولة لتبيان معاناتهم الإنسانية المنسية. وكانت أصواتهم ترتجي من العلي القدير أن ينفع بهذا المقال، وأن يبشرهم قريبا بتحرك سريع لتحسين أوضاعهم المالية، وبتدرج نوعي كمي يراعى فيه قِدم تاريخ التقاعد، وسن المتقاعد، وبما يعيد لهم البسمة والرضى.

وهذا تفاعل متوقع منهم، كونهم المعنيين بذلك الطرح، وهم أنفسهم من عاشوا زمن تلك المعاناة، والتراجيديا بكامل معطياتها وأحوالها.

ولكن حقيقة ما أدهشني هو ردود فعل فئات المجتمع الأخرى، مما جعلني أكمل مشواري بمقالي هذا، لتغطية الحالة من كل الجوانب، ونقل الصورة دون رتوش.

الأفراد والجنود العسكريون عتبوا عليّ ولاموني، باعتبار أنهم أكثر حاجة وتضررا من تدني مرتباتهم من الأساس، فما بالك بعد التقاعد. وقد احتج علي المدنيون من موظفي الدولة، باعتبار المقال لم يأت على ذكرهم، مع أنهم خدموا الوطن بدورهم من أماكنهم، وبكل الطرق المتاحة لهم!

وكذلك المدنيون ممن يتبعون لنظام التأمينات الاجتماعية، وممن يعانون كغيرهم من غلاء المعيشة المطرد، مؤكدين أن المعاشات التي تجمدت عند تاريخ التقاعد لا تكاد تفي بالحاجة اليوم، واسأل مجربا ولا تسأل طبيب.

شيخ متقاعد ظل يحكي بأن مصلحة المعاشات كانت وعلى مدى 40 سنة تقتطع من مرتبه مبلغا شهريا، لو كان استثمره حينها بأي عقار أو أسهم أو تجارة، لكان في يومنا هذا يقطف منها أكثر بكثير مما يصله اليوم!

آخر ظل يحكي لي عن القيمة الشرائية للريال الذي كان يقتطع منه قبل عقود، وكيف أنه ببركته كان يعادل ما قيمته مئة ريال اليوم.

أحدهم حكى عن وفاة والده عن راتبين تقاعديين أحدهما من وظيفة حكومية، والآخر من وظيفة تبعتها على نظام التأمينات، وكيف تم حرمان الورثة أحد الراتبين بالكامل عند وفاة المتقاعد!

أحدهم يحكي عن راتبه الضئيل، ويحلف أنه لم يعد يكفي لتسديد فاتورتي الماء والكهرباء.

أحدهم تخصصه اقتصاد، عبر عن دهشته من عدم قيام الدولة برفع مرتبات المتقاعدين، باعتبار الفائدة الراجعة لذلك على سير الأنشطة التجارية والاقتصادية الداخلية، وبالتالي تأثيرها المفيد لرؤية المملكة 2030، وأكد أن حصول الرفع بنسبة سنوية يعد ضخا للدماء في شرايين الوطن، وهو ما سيساعد على رفع مستويات البيع والشراء والتملك، ويتسبب في حركة السيولة، المؤدية إلى زيادة الدماء في شرايين التحول والرؤية الحالية والمستقبلية.

أحدهم ظل بحزن يحكي أن خواتم العمر تمضي، وأن عملية تكوين لجنة لدراسة موازنة المرتبات التقاعدية المتعددة الأنظمة ستستمر سنوات، وسيكثر فيها المنظرون والحاسدون، مما يتسبب في إخماد آمال المرتجين، وتبديد سنوات العمر القليلة الباقية في انتظار ما لا يأتي.

أحدهم وافقه الرأي، وأضاف أن هنالك أمورا عظيمة مفصلية تؤخذ بمجرد قرار تاريخي حكيم رحيم قوي، يختصر مرارة الخلل، ويحطم سلاسل المعاناة، ويحل عقدة العسر، ويطوي مسافات المعاناة، ويزرع البسمة في فم كل متقاعد مهما كانت جهة تقاعده، ومهما اختلف قانون احتساب مرتبات معاشه.

Shaheralnahari@