طلال الشريف

دعوة لاستقلالية كليات التربية وبقاء النظامين التكاملي والتتابعي

الاثنين - 24 فبراير 2020

Mon - 24 Feb 2020

تعتمد جودة نواتج التعلم وحتى تميز النظام التربوي على جودة المعلم بالدرجة الأولى، وتتوقف جودة المعلم على إعداده مهنيا وعلميا، وتعمل وزارة التعليم على تطوير برامج إعداد المعلم ما قبل الخدمة منذ نحو أربعة أعوام، بمشاركة عمداء كليات التربية في الجامعات السعودية، وقراءتها للتجارب العالمية لتطوير نظم التعليم عامة وبرامج إعداد المعلم خاصة للاستفادة منها، وأعلنت قبل عامين إيقاف القبول في كليات التربية لمرحلة البكالوريوس، باستثناء تخصصي التربية الخاصة والطفولة المبكرة، وتبع ذلك الإعلان منذ عام تقريبا عن الإطار العام لتطوير هذه البرامج، متضمنا التحول الكلي إلى النظام التتابعي، وإلغاء النظام التكاملي في برامج إعداد المعلم، مع أنه لا يوجد على حد علمي القاصر أي دراسات علمية وتربوية معتبرة تثبت فشل النظام التكاملي أو عدم صلاحيته كنظام تعليمي في إعداد المعلم.

وهنا لنا وقفات حول هذا التحول الكبير في برامج إعداد المعلم:

1 الإطار العام الذي أصدرته وزارة التعليم للجامعات يؤكد ضمنيا ربط كليات التربية بالوزارة، في صورة لإعادة كليات إعداد المعلمين من خلال اشتراط موافقة الوزارة على أي برنامج إعداد تربوي، وهذا يتنافى مع استقلالية كليات التربية والمحافظة على هويتها، وتشتيت ارتباطها بكياناتها الرسمية وهي الجامعات، وأعتقد أن الوزارة كان بإمكانها الاكتفاء بتحديد مواصفات خريج كليات التربية الذي يتناسب مع طموحات الوزارة، ويسهم في تحقيق أهدافها ووضع تلك المواصفات في أعلى جودة لها، بدءا من القبول في كليات التربية وانتهاء بتخريج الطلاب.

2 تضمن الإطار العام لتطوير برامج إعداد المعلم ما قبل الخدمة التحول الكلي للنظام التتابعي، وهو نظام يقوم على أن يدرس الطالب في أي كلية متخصصة ثم بعد تخرجه يلتحق بكليات التربية وفق شروط ومعايير تضعها الوزارة، لتأهيله كمعلم لمدة عام أو عامين وبدرجة دبلوم أو ماجستير مهني لم يعلن عن تفاصيلها حتى الآن، وتضمن أيضا إلغاء النظام التكاملي، وهو نظام يقوم على أن يدرس الطالب في كليات التربية جميع التخصصات التي تحتاجها الوزارة، مصحوبا في الوقت نفسه بالإعداد التربوي ليتخرج تربويا جاهزا للتعيين بعد استيفاء شروط التوظيف.

3 بنظرة تربوية ومن خلال معايشة للميدان التربوي وخبرة كعميد لكلية تربية بالنظام التكاملي، وفي الوقت نفسه إعداد معلمين بالنظام التتابعي، أستطيع توضيح أهم مزايا وعيوب النظامين باختصار: فالنظام التتابعي يتسم بالقوة في مجال التخصص العلمي، والضعف في مجال التخصص التربوي، لأنه من الصعب إعداد معلم بمعنى الكلمة متشبع بالتخصص التربوي وبالمواقف والأحداث التربوية خلال عام أو عامين كدبلوم أو حتى ماجستير مهني، فضلا عن الفصل التام بين التخصص العلمي والتربوي وغياب مضامين التكامل والتوظيف الجيد بين التخصصين.

وأما النظام التكاملي فيتسم بقوة الإعداد التربوي مع قصور في الإعداد التخصصي أو العلمي، وتنفيذ عمليات التعلم والتعليم واكتساب الخبرات في بيئة نشطة تربويا من خلال الندوات والملتقيات والمؤتمرات والأنشطة التربوية المكثفة، ويعاب عليه قصر مدة البرنامج، فأربع سنوات غير كافية علميا وتربويا لإعداد المعلم ذي الكفاءة العالية.

4 ليس بالضرورة أن تنجح تجارب بعض الدول المتقدمة لدينا، فنجاح النظم التربوية يحكمها عوامل عديدة، منها المنطلقات الدينية والفلسفة التربوية والثقافة والقيم والعادات والتقاليد وغيرها كثير، وهو ما يعني أهمية الاستفادة من تلك التجارب وتكييفها بما يناسب تجربتنا الخاصة في إعداد المعلم.

5 العمل الذي قامت به الوزارة لتطوير برامج إعداد المعلم عمل كبير وجدير بالاحترام في إطاره العام، لكنه ضيق واسعا بإلغائه للنظام التكاملي بدلا من التفكير في تطويره، ووجود النظامين التتابعي والتكاملي وتطويرهما يشكل ميزة قوية في نظامنا التربوي السعودي، ويعكس تنوع طرق إعداد المعلمين والتمكن من إجراء المقارنات والتقويم العادل للنظامين لتحسين مستوى نظامنا التربوي.

6 ما الذي يمنعنا من الاستفادة من تجربة سنة الامتياز في كليات الطب؟ وذلك بتطوير النظام التكاملي في كليات التربية من خلال زيادة مدة البرنامج ليكون خمس سنوات تعليمية، وسنة تدريبية صرفة يخضع في الطالب للتدريب الكامل في مدارس التعليم العام، وينتهي باجتيازه لاختبار مهني يجيز صلاحيته من عدمها للعمل كمعلم، وهو ما يعني تلقائيا زيادة نسبة ساعات التخصص في خطط كليات التربية الدراسية لطلاب النظام التكاملي.

7 أقترح أن يخضع الطلاب خريجو الكليات الأخرى الراغبون في التأهيل التربوي والانخراط في العمل التعليمي كمعلمين؛ لبرنامج دبلوم تربوي لمدة عامين وليس لماجستير مهني، بحيث يكون العام الأول منهجيا تعليميا والعام الثاني تدريبيا صرفا في مدارس التعليم العام، وينتهي باجتيازه لاختبار مهني يجيز صلاحيته من عدمها للعمل كمعلم، مع مراعاة أن تكون مدة برنامجهم في كلياتهم العلمية أربعة أعوام للتوافق مع المدة الزمنية في كليات التربية، ليصبح إجمالي عدد السنوات التي يجري فيها إعداد المعلم ست سنوات بالنظامين التكاملي والتتابعي.

8 أصبح لزاما علينا تغيير معايير القبول في كليات التربية بحيث تكون دقيقة وعالية، فلم يعد كافيا القبول في كليات التربية سواء بالنظام التتابعي أو النظام التكاملي الدرجة الموزونة والمعايير التقليدية السائدة، بل يجب تصميم اختبارات أخرى من نوع خاص مثل المقابلات الشخصية القوية، والاختبارات النفسية، واختبارات الذكاء، واختبارات الكشف الطبي الدقيق، والاختبارات الرياضية.

9 العمل على تغيير الصورة الذهنية عن مهنة المعلم ومكانة المعلم، لتصبح المهنة الحلم للشباب، وذلك يتطلب تغيير كثير من الأنظمة واللوائح والإجراءات المتعلقة بالمعلم، ومنها تغيير سلم الرواتب جذريا ليتواكب مع رتب المعلمين والمسميات الواردة في اللائحة الجديدة ورفع السلم لجميع المستويات، ومنح المعلم كل الصلاحيات التربوية والإدارية في إدارته للصف من حيث الثواب والعقاب، وإشراك المعلم فعليا في جهود تطوير برامج إعداد المعلم ما قبل الخدمة وبرامج تطويره المهني وبرامج تطوير المناهج وتقييم المشروعات التعليمية وبرامج تطوير القيادات التربوية، وتخفيض نصاب المعلم الدراسي وفقا لرتبته (خريج، ممارس، متقدم، خبير)، بحيث لا يقل عن 9 ساعات ولا يزيد على 15 ساعة أسبوعيا، توفير البيئة المدرسية المريحة والمناخ المدرسي المحفز لتنفيذ واجباته المساندة من تحضير للدروس أو إعداد للاختبارات أو تصحيح أو مقابلة طلابه أو أولياء الأمور و غير ذلك، واعتماد مزايا خاصة للمعلمين مثل التخفيضات في المراكز التجارية والمستشفيات الخاصة والشركات الوطنية الكبرى، وإنشاء الأندية الرياضية والثقافية والاجتماعية الخاصة بالمعلمين وبذويهم.

10 يبقى التحدي الأكبر أمام وزارة التعليم سرعة معالجة قوائم الانتظار الحالية للراغبين في الالتحاق بمهنة التعليم، بإعداد خطة خاصة واتخاذ قرار استراتيجي بشأنها خلال الخمس السنوات المقبلة، وهي الفترة المتوقعة لتخريج الدفعات الأولى من برامج إعداد المعلم الجديدة، لكيلا تكون عقبة أمام الأجيال القادمة من مخرجات كليات التربية.

11 يحسب لوزارة التعليم تريثها في إقرار برامج إعداد المعلم ما قبل الخدمة، لأن نجاح هذه البرامج سينعكس بشكل أساسي على مستوى نظامنا التعليمي والتربوي، ومكانته بين النظم التربوية العالمية ومستقبل وطننا التنموي.

وعليه أدعو معالي وزير التعليم واللجنة العليا الخاصة بتطوير برامج إعداد المعلم وزملائي عمداء كليات التربية، وفقهم الله، إلى إعادة النظر في قرار إلغاء النظام التكاملي في كليات التربية، ليبقى جنبا إلى جنب مع النظام التتابعي، والعمل على تطويره في ضوء المقترحات المتواضعة في ثنايا هذا المقال، وفتح المجال لتقديم الرؤى والاقتراحات من المتخصصين والمهتمين والتربويين.

@drAlshreefTalal