شاكر أبوطالب

الغسل الأخضر.. تزييف الاستدامة!

الاحد - 23 فبراير 2020

Sun - 23 Feb 2020

الغسل الأخضر مصطلح ظهر للمرة الأولى في ستينات القرن الماضي، حين اكتسبت الحركة المدافعة عن البيئة شهرة وزخما إعلاميا عالميا، الأمر الذي دفع كثيرا من الشركات في ذلك الوقت إلى تصميم وإنشاء صورة ذهنية خضراء من خلال الإعلان، خاصة أن السمعة البيئية للمنتج تؤثر في قرار الشراء لدى المستهلك، وبالتالي فإن الغسل الأخضر ينقل معلومات معينة لإظهار منتج ما بأنه صديق للبيئة والإنسان والمجتمع.

يدور مفهوم الغسل الأخضر حول الجهود التسويقية والإعلامية لرسم انطباع مضلل أو تقديم معلومات مبالغ فيها حول مدى التزام أعمال شركة ما بحماية البيئة، من خلال توفير منتجات وخدمات مستدامة وصديقة للبيئة، من خلال إطلاق حملات إعلامية وإعلانية تروج لمؤسسة ما بأن أعمالها «خضراء» وتراعي البيئة، بينما الواقع يخالف ذلك. وتعد ممارسات الغسل الأخضر، أو تزييف الاستدامة، محاولة لإخفاء سياسات الشركات والمؤسسات غير المستدامة.

ومع تنامي الجهود العالمية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ وانبعاثات غازات الدفيئة والممارسات المضرة بالبيئة، تزداد ممارسة الغسل الأخضر وتزييف الاستدامة لإخفاء السياسات والأعمال والبرامج غير المستدامة، من خلال ضخ مزيد من الأموال في تنفيذ حملات إعلانية ومواد غير إعلامية، وشراء مزيد من المساحات الإعلانية، سواء في وسائل الإعلام أو في المطارات والطرقات، وابتكار طرق جديدة للتستر على العمليات التصنيعية والإنتاجية غير الخضراء، فزاد المحتوى الإعلامي والإعلاني الذي يدعي استدامة المنتجات والخدمات، مما أدى إلى زيادة سخرية المستهلك ونمو شكوكه بكل منتج يدعي حماية البيئة، فتضررت سمعة مصطلح «الاستدامة»!

ولذلك، أصبح من الضروري جدا زيادة الوعي بممارسات الغسل الأخضر، من خلال حملات التوعية بالطرق السليمة للتحقق من أي ادعاءات خضراء، وتطوير أنظمة فعالة تتضمن فرض عقوبات رادعة للشركات والمؤسسات التي تدعي الاستدامة ومراعاة البيئة، سواء في البيانات المصاحبة للمنتجات، أو الإعلانات المضللة، لأن الغسل الأخضر ليس مجرد مسألة أخلاقية فقط، بل هناك عواقب قانونية ومالية خطيرة عندما تقدم الشركات أو المؤسسات ادعاءات كاذبة أو مضللة.

ومع تطور الممارسات غير البيئية وتفشي أعمال الغسل الأخضر، وزيادة الأهمية للمعلومات المتعلقة بالبيئة، ظهرت العديد من المنظمات العالمية المتخصصة في الاعتماد الموثوق في مختلف مجالات الاستدامة، بهدف القضاء على الغسل الأخضر ومحاولات تزييف الاستدامة، وقطع الطريق أمام حملات تلميع الصورة الذهنية للشركات والمؤسسات التي تمارس أعمالا ضارة بالإنسان قبل البيئة، وفي المقابل إبراز الأعمال الملتزمة بالاستدامة.

ينبغي للجهات المعنية في المملكة العربية السعودية، ومن ذلك وزارات الطاقة والصناعة والتجارة، التعاون والمبادرة بإقرار سياسات صارمة خاصة بالاستدامة وحماية البيئة، تدفع الشركات والمؤسسات إلى الإفصاح عن المعلومات والبيانات المتعلقة بالاستدامة والبيئة، وتضبط الممارسات التجارية وتعاقب الأعمال التي تقدم معلومات بيئية مضللة، ومنح الحق في مقاضاة الشركات والمؤسسات التي نفذت حملات إعلانية مضللة، مع تحمل تكاليف إصلاح الأضرار الناتجة عن ذلك.

كما يجب على المؤسسات الإعلامية زيادة التدقيق على جميع الطلبات الإعلانية، والتأكد من سلامة المعلومات الواردة في الإعلان، وصحة البيانات الخاصة بالاستدامة والبيئة، ولا سيما في الفترة الحالية التي تشهد تراجعا في إيرادات وسائل الإعلام، مما يجعلها عرضة للاستغلال من قبل الشركات الكبرى ذات القدرات التسويقية الضخمة.

@shakerabutaleb