فهد عبدالله

مستودع النزاهة الداخلي

الخميس - 20 فبراير 2020

Thu - 20 Feb 2020

ما أجمل تلك الحوارات والنقاشات التي يكون هدفها فقط الوصول للنتيجة الأصح، دون الاعتبار لمسوغات شخصية أو لي عنق المبررات لتتوافق مع مصالح شخصية خفية. والحوارات التي تمتلئ بحيثيات تتبع مؤشر بوصلة الأصح من بين الأمور الصحيحة والمجردة من أي اعتبارات شخصية هي الحوارات المثالية المنشودة حتى إن جانبها الصواب في مخرجاتها، إلا أن رغبة التوجه مع مؤشر بوصلة الأصح قد تغفر وتجبر ذلك النقص والخلل.

وفي المجمل الإنسان الذي تحركه الحقيقة ويدور حول فلكها تجد اهتمامه البالغ بمحورية الدوافع والمبررات الصحيحة، بغض النظر عن اجتراحها ربما لبعض المصالح لديه أو تناولها لقناعات لا يعرفها أو يختلف معها، يهادن المعلومة ويتبين من صحتها ويدفع بنفسه نحوها إن اكتملت فيها شروط الصحة ومعالم الحقائق.

والحوارات التي يعلو محياها حالة الفرز بين ما هو ثابت وحقيقي عن الأمر المرن والمتغير، تجد فيها الخلوص إلى النتائج سريعا وغالبا ما ترتفع فيها حالة التبني والتوافقية، الإشكال هنا هو إنزال الأمر المتغير منزلة الثابت والعكس صحيح، ومحاولات الفرز بينهما، وتفعيل الحراك العقلي من خلال التمحيص وبلورة المعطيات أيا كان نوعها، في الحقيقة هي إضافة ثرية للعقل وللسلوك الحواري، بغض النظر عن ماهية النتائج النهائية وصحتها.

وهذا السلوك الواعي في المحاولات الحثيثة من خلال الحوارات بكل أشكالها لمعرفة الأصح من بين الأمور الصحيحة، تبدد ذلك الأفق الضيق الذي يدور حول النظر من خلال المصلحة الشخصية أو الانتماء أو ما تطبع به الإنسان من عادات وأعراف معيقة للنظر المجرد دون هذه القيود، وحوار بعد آخر وتجارب متعددة في تتبع مسارات الحوار سترتفع مهارة أو سلوك رؤية الأمور على ما هي عليه، دون المبالغات أو القيود التي لا يخلو منها البشر، وقبل هذا وذاك كان هذا السلوك دعامة أساسية لجعل الداخل مقرا آمنا من شوائب نوائب الدهر ومستودعا للنزاهة أمام نفسك.

وتوسع مستودع النزاهة الداخلي يجعل الإنسان يميل دائما إلى الركون إلى الحقائق دون غيرها، وإذا دخل في عالم مليء بالظلمة ولم يبدده نور الحقيقة لديه تجده يميل إلى الصمت، ويضع المعلومات الجديدة في خانة الحياد للتثبت لا للإهمال، ويتمتم مع النفس بأن الحيادية في تلقي القناعات الجديدة غير الممحصة أسلم لشبكة القناعات الداخلية من التذبذب والاشتباك، والتي تجعله بعيدا كل البعد عن العبارات الحادة الجازمة.

ومع التزامه الكلي باحترام طرائق النظر لدى الآخرين، النابعة من مبدأ أن الحقيقة قد تكون أكثر وضوحا وشمولا لدى الآخر أو بعبارة أخرى أن الأصح من بين الأمور الصحيحة قد تتجلى من خلال زوايا النظر الأخرى، تجد لديه التزاما موازيا لمحاولة التكاملية، وإضافة الأبعاد التي لم تخطر على البال، ومحاولة معالجة ذلك التعارض أو الانتقال السلس لفكرة جديدة أساسها متين يفوق أساسات الأفكار القديمة.

وعندما يعرض الرأي الذي أخذ تأملا لديه يعرضه مع تلك القوة اللطيفة الدقيقة التي تبرز رأيه بكل وضوح، القوة مستمدة من حجم القناعات واللطف في إمكانية المراجعة والتعديل من قبل الآخرين، والدقة من خلال عدم التعميم والاحتراس في وضع الرأي في قالبه الصحيح.

fahdabdullahz@