عبدالله المزهر

حياة مستعملة..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 18 فبراير 2020

Tue - 18 Feb 2020

أحاول جاهدا تقمص وضع أي طرف من أطراف قضية خطف الأطفال التي حدثت في المنطقة الشرقية قبل أكثر من عشرين عاما، وعادت لتكون حديث الساعة اليوم بعد أن اتضحت الحقيقة التي توارت عن الأنظار ربع قرن إلا قليلا.

والحقيقة أني عجزت عن تخيل ردة فعلي في حال كنت أحد الأطراف، الأمر يبدو صعبا جدا حتى على الطرف الذي يبدو منتصرا في هذه القضية، وأعني العائلة التي عاد إليها طفلها الذي غادرها رضيعا وعاد في العشرينات من عمره.

طريقة تفكيره وأسس نظرته للحياة قد تكونت وانتهى الأمر، وهذا يقودنا إلى التفكير ـ إن كنا نحب أن نفعل ـ في حياتنا نحن الذين لم يختطفنا أحد من مستشفيات الولادة، وكيف تشكلت أفكارنا، ويخبرنا بأننا في الغالب نفتخر بأشياء لا يد لنا فيها، تواجدنا في بيئة ما يمنحنا صفات تلك البيئة بغض النظر عن أصولنا ومن أين أتينا.

الوضع الأكثر صعوبة في هذا هو وضع الشاب نفسه الذي يتعرف على أهله الذين يختلفون عنه في كل شيء إلا في الجينات الوراثية. سيكتشف أن عليه أن يولد من جديد وهو في سن العشرين، وسيكون غريبا على الجميع، على مجتمعه الجديد وعلى مجتمعه القديم.

وفي حال كانت القصة اختطافا فعلا فكيف سيفكر في تلك التي ظن أنها أمه وأحبها عشرين عاما بعد أن يكتشف أنها ليست سوى «لصة أعمار» سرقت منه حياته الحقيقية.

المأساة في مثل هذه القصص تبدأ من لحظة الخطف أو تبديل المواليد بالخطأ كما حدث في قصص أخرى، ولكنها لا تنتهي بتصحيح الأوضاع، في الغالب فإن ما سيحدث هو أنها ستأخذ شكلا جديدا. ولكنها ستبقى مأساة.

في الجزء الممتلئ من كوب هذه القضية، فإن الأمل قد عاد لي مجددا، ماذا لو كنت ابنا لإحدى الأسر فاحشة الثراء، وأعيش الآن بعيدا عن التمتع بثروة عائلتي والحديث عن ريادة الأعمال، ولذلك فإني أتمنى أن تعمل الأسر الموغلة في الثراء والسلطة بجهد أكبر في التحقق، فلعلهم أضاعوا طفلا قبل عقود من الزمن، فملامحي تشي بأني أنتمي إلى شيء من هذا القبيل. أما عائلتي الحالية فأنا واثق أنه لا مشكلة لديهم في اكتشاف أني ابن لعائلة مما وراء البحار، وأرجو ألا يقلق أحد من ردة فعلهم إن كان هذا ما يمنعه من الإفصاح عن الحقيقة.

وعلى أي حال..

إن كانوا قد اختطفوني من عائلتي الثرية فقد ندموا ندما يعادل ما اقترفوه ويزيد، وبالطبع فإني أستبعد فكرة تبديل المواليد لأن أمي ولدتني في حوش منزلنا بجانب بقرتها، والاشتباه في تبديل المواليد قد تكون المتهمة الوحيدة فيه هي البقرة نفسها.

agrni@