عبدالحليم البراك

العلم الجديد: كيف تفعل الخطأ بطريقة صحيحة!

الاثنين - 17 فبراير 2020

Mon - 17 Feb 2020

كان العلم يقدم الحقائق بوضوح جلي، وكان يحسم معظم النقاشات، لكن مع تطور العلم صار العلم يشكك في نفسه، بل وينتقد نفسه كثيرا، وأكثر من هذا، بدأ العلم يهدم نفسه، وصارت أي معلومة أو حقيقة تكاد تفقد قيمتها بسبب أن حقيقة أخرى قادرة على أن تهدم هذه الحقيقة وتجعلها تختفي، فيصبح بعضنا أنصارا لهذه الحقيقة، وآخرون يغدون أنصارا لتلك الحقيقة، وهذه النصرة أو تلك ليس تبعا لمعطيات علمية، بل تبعا لحدس أو شهوة أو رغبة، أو ما يميل الناس إليه، وأحيانا أخرى اعتقاد يجبره على الميل لحقيقة دون الثانية، وسأستعرض بعض هذه الأمور الملبسة:

- أدوية كيماوية تسبب الشفاء للناس، هي عبارة عن علاجات ضرورية، لكنها تسبب الأمراض الأصعب والأخطر، فصار الدواء داء، وصار الوقوف بالمنتصف أمرا صعبا، دواء يشفي القلب لكنه يصيب الكلى.

- مضادات حيوية هدفها رفع المناعة، لكنها تصيب المناعة، أحدهم يقول عنها إنها ضرورية، وآخرون يجمعون على ضررها، والمريض يتأوه لا يعرف الصالح من أمره حتى يموت!

- التقنية الحديثة تطورت لتخدم الإنسان لدرجة قتله في حادث، أو تسبب احتجازه أو إلحاق الضرر فيه.

- الكاميرات تراقب المجرمين في الشوارع، لكنها تفضح حياة الناس اليومية، لدرجة أن المصاب بداء السكري، كان سابقا يلوذ بأي مكان حتى يتخلص مما يؤذيه، صار يبحث عن أي كاميرا تصل إلى يد أي مراهق يفضحه!

- الإعلام يكذب، والإنسان يستمتع بكذب الآلة الإعلامية، ولا أدل على ذلك من قناة الجزيرة الكاذبة.

- مشاهير يستخدمون التقنية في الشهرة وجمع المال، والناس تلهث وراءهم، ووراء أخبارهم وهؤلاء المشاهير يفسدون حياة الناس والأسر في الصيف، ويخلقون المشاكل بين الناس في الشتاء!

- هواتف نقالة تخدمك لتكون قريبا من أهلك، لكنها تفضح خصوصيتك التي كنت تحافظ عليها.

- نظام بنكي متقن يوفر لك النقد في أي مكان، لكنه يهدد السيولة ويخيفك من سقوط الشبكة الالكترونية، حتى إنه لو تعطلت الشبكة اختفى المال من السوق، لأن أموالنا كلها في البطاقات، هذا عدا ما تفعله البطاقات الائتمانية من ضرر ومن مراقبة أين أنت!

- قوقل ماب يدلك على الأماكن المهمة، لكنه يكتشف أين تنام وأين تعمل ومتى تسافر، وأين أنت ذاهب، وكلها يمكن أن يطلع عليها من هو أفضل منك بدرجة واحدة في التقنية!

- أطعمة وفيرة تسد ملايين الأفواه الجائعة بفضل التقنية والميكنة، لكنها معدلة وراثيا ضارة مليئة بالسكر والزيوت والأمراض.

- معالجة البشرة تدمر البشرة، وعمليات التجميل تجمل وتدمر وجوه السيدات.

كل هذه الأمثلة تقول لنا إن العلم دخل مرحلة النفع والضرر، ولم يبق إلا مرحلة أخيرة هي مرحلة الضرر والضرر فقط، بقي أن أقول إن الأمر لم يصل لحد الإرباك، لكن مع تطور العلم سيتطور الإرباك، وستختلط الحقائق ثم يفقد الإنسان ثقته بالعلم ويعود لا يعلم شيئا!

Halemalbaarrak@