شاهر النهاري

ارحموا عزيز قوم تقاعد

الاثنين - 17 فبراير 2020

Mon - 17 Feb 2020

العسكري قبل التقاعد مختلف كليا عما يحدث في حياته بعد التقاعد، فمن قبل يعيش حضورا وشنة، ورنة، وقيمة واحتراما وتحيات تسبق بذلته، وكتفه الذي كان يدلل على أهميته وقدره، ويفتح له الأبواب ويدبر له الأسباب.

ولكنه بعد التقاعد يصبح مجرد مسمى لرتبته الأخيرة تتبعها كلمة (مت.. قاعد)، مع انخفاض عظيم في مرتبه، وخصم قاطع لكل بدلاته ومميزاته ومخصصاته، وتجاهل وإهمال يقللان من فرصته بدوام الحال.

وبالطبع، كلما كان المتقاعد من الجيل الأقدم كانت ظروفه أسوأ، وكان معاشه متجمدا بفعل الصيغ النظامية المتقادمة المندثرة، التي لا أحد يتذكرها ولا يملك تغييرها، فلا يحصل عليها أي مراعاة أو إعادة نظر تتناسب مع توالي ارتفاع التضخم، وقسوة زيادة الأسعار سنة بعد سنة، ومباغتة الضرائب والفواتير التي لم يكن يتوقعها أثناء خدمته، فتستبيح جيبه المخروم وتقض مضجعه.

المتقاعد يكون في عمر يفوق الستين بكثير، ويجد نفسه أمام تحديات الحاجة الماسة، مضطرا بماء وجهه وكرامته، وعدم إلمامه بالتقنيات الحديثة للبحث عن عمل إضافي يحسن به اختلالات أوضاعه المالية، حتى (الخل الوفي) لا يقبل توظيف الشيخ الهرم.

قطارات التنمية والنهضة تتسابق، وتبتعد عن محطات المتقاعدين التي يعلوها الصدأ، ولا لجنة تنظر إلى سوء أحوالهم، ولا زيادة سنوية توهب لهم ولو بالحد الأدنى، ولا تقدير لسيرتهم الماجدة التي تفانوا فيها وتجسموا روح الشكيمة والحيطة والمنعة والوفاء، واستأهلوا مكانتهم بالذود عن الآمنين في الوطن، وحماية الحدود وتأمين البر والبحر والسماء، ورفع رأس البلد عاليا بين كل الأمم.

العسكري القديم يا سادة يا كرام أصبح ينزوي خجلا، ولا يقف في أول الصف حينما يسابقه الصغار وينظرون له بتهاون، ولا يُحترم لون الشيب وانحناء القامة وتعذر البصر.

أنا لست أول من كتب عن تلك المفارقات، ولا أول من نبه لتلك الحاجة الماسة، فقد سبق وكتب كثيرون ممن تعاطفوا مع عزة نفس المتقاعد العسكري، من أصبح دخله أقل من القدرة على تأمين أساسيات حاجاته، وهو من كان يمتلك مكانة علية بين مجتمعه وأهله وأبنائه وأحفاده أثناء خدمته العسكرية، وكان هو من يساعدهم ويصرف عليهم، وكم يصعب عليه اليوم حين يجبره الزمان لمد يده لأحدهم.

حكايات ألف ليلة وليلة كانت تختتم بالنهايات السعيدة، لكن حكايات العسكريين المتقاعدين لا تعرف غالبا إلا النهايات الحزينة.

نداء لصاحب القرار بأن يقِيل ويجبر عثرات الكرام، وأن يوجه بإجراء سريع من شأنه أن يعيد البسمة لوجوه كبارنا المتقاعدين، وأن ينهي كل صور معاناتهم، خاصة القدامى منهم، ممن تعاقبت عليهم أنظمة التقاعد، ولم يطلهم من جديدها أي رأفة، وهم من أفنوا حياتهم في حب الوطن، وهم رؤية القادم لجنود وضباط الوطن في المستقبل.

المرتجى هو جداول مساعدات مالية تتناسب عكسيا مع قيمة المرتب حينما تم التقاعد، وزيادة عادلة تتناسب مع الزيادات الحاصلة في المصروفات، وإعادة قيمة المتقاعدين في أماكن مراجعاتهم، سواء في الصحة أو في مختلف مقرات الخدمات الحكومية، تجعلنا فعلا وحقيقة من يرحم ويبجل عزيز قوم تقاعد.

Shaheralnahari@