سالم الكتبي

قواعد اللعبة الجديدة في سوريا

الاحد - 16 فبراير 2020

Sun - 16 Feb 2020

بعد سنوات من الصراع العسكري بين قوى وأطراف وتنظيمات في سوريا، جاءت إدلب لتعيد هندسة توازنات القوى وترسم قواعد اللعبة من جديد، لكن بين أطراف محددة: النظام السوري وروسيا وتركيا.

والواضح حتى الآن أن بقية الأطراف إما لقيت هزيمة وتم تحييدها وإخراجها من دائرة التأثير في الصراع مثل «داعش»، أو لم تعد معنية بالتورط المباشر في هذا الصراع لظروف سياسية داخلية، كالولايات المتحدة التي تترقب انتخابات رئاسية نوفمبر المقبل، ولا تريد الانغماس مجددا في عمليات عسكرية في سوريا بالوقت الراهن، رغم كل التصريحات القائلة بدعم موقف الرئيس التركي ومساندتها له في سوريا. ما يحدث في سوريا الآن لا يتعلق بالأرض بقدر ما يتعلق بصراع إرادات لحسم الأمر لمصلحة النظام السوري وإنهاء التدخل التركي غير المشروع في سوريا.

ميدانيا، وجود القوات التركية في سوريا لا يمثل نقطة قوة، بل على العكس تماما، فهو نقطة ضعف خطيرة يمكن أن تتحول إلى مستنقع أو فخ يقضي على أحلام السلطان إردوغان في قضم جزء من الشمال السوري، ولا سيما أن النظام السوري بات يوظف جيدا تضارب المصالح الذي كان متوقعا بين تركيا وروسيا في سوريا، وإدراكه أن الرئيس بوتين سيختار مساندة حليفه الأساسي الرئيس الأسد في حال خُير بينه وبين إردوغان المتقلب في أشهر قلائل بين روسيا والولايات المتحدة والناتو بشكل أوحى للجميع بعدم الثقة.

لا يمكن للقوات التركية واقعيا خوض حرب واسعة في الأراضي السورية، على الأقل في ظل شبكة التحالفات والمصالح المعقدة هناك، وفي ظل الولاءات المتقلبة لتنظيمات الإرهاب التي تمتلك أسلحة وخبرات تجعل منها رقما صعبا في إدارة الصراع على الأرض، علاوة على فقدان تركيا أصدقاءها الإقليميين والدوليين، حيث نجح الرئيس إردوغان بجدارة في كسب شبكة كبيرة من الأعداء العرب والأجانب والقوى الكبرى بحيث لم يعد لديه من الحلفاء ـ بعد صدامه مؤخرا مع الحليف الروسي الجديد ـ سوى أنظمة غير قادرة على دعمه عسكريا أو سياسيا، مثل قطر وبدرجة أقل كثيرا النظام الإيراني الذي يستعد هو الآخر لصراع مصالح بدهي مع تركيا على الأرض السورية!

الحاصل أن العلاقة مع تركيا باتت تمثل لغزا بالنسبة للكرملين الذي أراد طعن حلف الناتو، وتوجيه ضربة له بسحب ثاني أكبر جيش خارج نطاق الحلف، لكن إردوغان لم يكن يشاطره الرغبة ذاتها، بل كان مزدوج الولاء يريد أن يلعب على الطرفين، حيث الاستفادة من خط نقل الغاز الروسي لأوروبا وصفقة «إس 400»، ثم يدعو حلف الناتو لدعم تركيا في الصراع مع الجيش السوري حول إدلب، علاوة على أن روسيا باتت ترى في أطماع إردوغان عبئا استراتيجيا عليها في ظل مخططه لغاز المتوسط وصدامه مع دول إقليمية مهمة حليفة لروسيا مثل مصر.

الصدام التركي الروسي كان قادما لا محالة، وقد برزت أخيرا مؤشرات القلق الروسي من السياسة التركية في سوريا، ولا سيما بعد صدور تصريحات من دولت بهشتلي، رئيس الحركة القومية التركية حليف إردوغان وحزب العدالة والتنمية في الحكم، يطالب الجيش التركي بالزحف فورا لاحتلال دمشق والإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ردا على مقتل 13 جنديا تركيا في قصف للجيش السوري في ريف إدلب.

في هذه الأزمة لم يجد إردوغان ـ كما هو متوقع ـ أي دعم حقيقي من الولايات المتحدة ولا حلف الناتو، كما يدرك تماما أنه يتصرف خارج الشرعية الدولية، وأن الجيش السوري يتحرك داخل أراضيه، ويسعى لفرض السيادة الوطنية، مما يضع القوات التركية في مأزق حقيقي، وأن تصريحات إردوغان حول مهاجمة القوات السورية في أي مكان بالوسائل البرية أو الجوية إذا أصيب أي جندي تركي بسوء، تمثل خروجا على الشرعية الدولية.

الكارثة التي تنتظر إردوغان في سوريا هي وقوع صدام عسكري مباشر مع روسيا، حيث أشار خبراء روس إلى تهديد إردوغان بإسقاط جميع الطائرات فوق إدلب بالقول «إذا أسقطت تركيا طائرة روسية فوق الأراضي السورية، بزعم أنها يمكن أن تشكل تهديدا للقوات التركية، فإن أحداث عام 2015 ستبدو أشبه بجلدة خفيفة. هذه المرة ستكون هناك ضربة منظمة على جميع الجبهات».

روسيا تدرك أن إردوغان زعيم شعبوي يتحدث أكثر مما يفعل، والكرملين يتفهم ذلك تماما ويتعامل معه بعقلانية، لكن لن يستمر الوضع كذلك في حال اتجه إردوغان إلى المغامرة بخوض صراع عسكري واسع ضد القوات السورية، والكل يدرك أن إردوغان ليس على استعداد لتلقي صفعة جديدة في سوريا بعد هزيمة مخططه في ليبيا، وليس أمامه سوى التهديدات التي لم تعد تجدي نفعا، حتى إن سياساته باتت تعمل في اتجاه مضاد تماما لمصالح تركيا وشعبها، وسمعتها وصورتها الذهنية التي باتت تنزلق بوتيرة متسارعة إلى مستنقع يصعب الخروج منه.

salemalketbiar@