فهد عبدالله

الحالة الآسنة

الخميس - 13 فبراير 2020

Thu - 13 Feb 2020

عندما كنت أقرأ لمؤلف في تبيان رأي معين وبعد فترة من الزمن تجده يطرح النقيض له، كانت تساورني الأفكار والآراء حول الحالة التقويمية لهذا السلوك المتكرر لدى كثيرين من أصحاب الأقلام التي تنتج رأيا وفكرا، وكيف أنها قد تثير الدهشة لدى المتابعين وترفع كثيرا من علامات التعجب والاستفهام لديهم!

قد يكون في طرح هذين السؤالين بشكل مجرد مندوحة عن تتبع ما وراءهما من إجابات:

السؤال الأول: هل صاحب الرأي يجب أن يبقى على رأيه القديم حتى لو ظهرت لديه قناعات جديدة؟ والثاني: هل المتلقي يتحتم عليه محاكمة الآراء أيا كانت اتجاهاتها؟ والتعامل معها كالتعامل مع النصوص ذات القداسة التي يجب أن تبقى في شكلها النصي دون تغيير؟

بمجرد الإجابة عن هذين السؤالين ستتلاشى كل تلك الاعتبارات النقدية التي قوامها لماذا تغير الرأي؟ أو الإشارة السلبية لأصحاب الآراء المتغيرة.

وعندما نعلم أن السنة الكونية الثابتة والوحيدة هي التغيير، وأن الدلالات المحددة والواضحة التي لا تقبل تأويل تدخل في أضيق النطاقات المعرفية، فضلا عن أن نسق الحياة الفردي الجماعي وسرعة المتغيرات في هذا العصر المعرفي يفرضان على الإنسان ليس القبول للتغيير فحسب، بل المبادرة أيضا لتكوين ملكة صناعة التغيير، فضلا عن سرعة استيفاء متطلباته، والتأخر في ذلك أو التباطؤ قد لا يتوافق مع رتم سرعة التغيير، مما قد يجعل التقدم البطيء في منزلة التراجع أمام تلك المتغيرات ذات الرتم المتسارع.

على المستوى الفردي وفي لحظات تأمل هادئة ستجد أن بعض الآراء التي تؤمن بها في سنوات مضت اتجهت لأن تكون آراء مختلفة عما كانت عليه، ومع الرتم المتسارع الذي أشرنا إليه قد تكون تأملات الأسئلة حول ماذا كان الرأي في ذلك الموضوع في الأسبوع الماضي أو بالأمس؟ كل هذه الظروف المرتبطة بكثرة المدخلات التي قد تعصف بالآراء السابقة تؤكد أهمية التأسيس لأمرين، هما: المنهجية الصحيحة والمنطقية في التفكير وتبني الرأي، والأمر الآخر الإنصات الجميل وتقوية عضلة تقبل الآراء الجديدة.

فضيلة التغيير وسط بين رذيلتي ديمومة التغيير لأجل التغيير فقط دون دوافع مبررة، والجمود الآسن الذي يعرقل مسارات جودة الحياة، وأعتقد أن تمييز هذه المناطق الثلاث ومعرفة محدداتها وإحداثياتها يجعلان من رحلة التغيير في اتجاهها الصحيح، وفي المنطقة الخضراء البعيدة عن حمى مناطق الجمود والتغيير غير المبرر.

وكل هذه المعطيات السابقة من حيث رغبة التغيير والرتم المتسارع له يفرض حقيقة يجب أن تأخذ مسارها في الاهتمام لدى المؤسسات والشركات وجهات صناعة القرار، بأن مراكز البحث العلمي أصبحت ضرورة لا حياد عنها، فكيف يمكن صياغة الرؤى واستشراف المستقبل وصناعة المال والتطور بكل أشكاله، وصناعة القرار ما زالت تجري بالطريقة الفردية البحتة أو من خلال قرار جماعي غير مؤهل.

وإذا أردت معيارا تدقيقيا وتقييميا لأي مؤسسة عملاقة، اذهب فقط إلى مركز البحث العلمي لديها - إذا وجد - وانظر فقط في كمية الأموال التي تتدفق عليه من قبل المؤسسة نفسها، أو العوائد العلمية والاستثمارية التي خرجت منه وإليه، واهتماماته ومخرجاته وتأثيرها أيضا على صناعة القرار، وحينئذ قد تستطيع أن تعرف حقيقة التغيير لديها، وأين موقع تلك المؤسسة من عجلة التنمية المحلية والعالمية.

fahdabdullahz@