عبدالله الأعرج

اختلاجات في ليلة الغذامي!

الأحد - 09 فبراير 2020

Sun - 09 Feb 2020

لم تطأ قدماي أرض ناد أدبي مذ خلقت سوى قبل بضعة أيام في مناسبة تكريم الرمز الثقافي والوطني الناقد أبو غادة - كما يحب أن ينادى.

وما أجمل الاستهلال بزيارة مكان في مناسبة بهذا الحجم! مناسبة حفها الجمال من كل مكان، دعوة واستقبالا واحتفاء من قبل البيت الكبير، النادي الأدبي بعروس البحر الأحمر جدة. ولذلك فقد خيل لي في لحظة ما أن عبدالله الغذامي كان يتكلم بلساني لا بلسانه حينما أستشهد في كلمته البليغة ببيت فاروق شوشة الشهير:

قد يُطاق الجمال فردا ولكن

كل هذا الجمال كيف يُطاق

ولا أخفيكم أنني كنت أتصور أن الأندية الأدبية عبارة عن قاعة أو اثنتين بهما مجموعة كراس وعدد قليل من الحضور، جلهم من كبار السن المهتمين بالأدب، خاصة الشعر، لأجد نفسي أمام شريحة ذات قاعدة عريضة من الجنسين من الأدباء والمفكرين والاقتصاديين واللغويين والمهندسين، بل ورجالات الدولة ووزراء وقيادات كلهم متعطشون للآداب متفاعلون مع الأطروحات بشكل لا يمكن للعين أن تخطئه أثناء الحديث معهم، أو حين وقوفهم أمام الجمهور في مداخلاتهم ومناقشاتهم.

ولأن الأمم تسمو بآدابها تماما كما تسمو بعلمها، فإنني أعتقد بعد هذا التجمع الذي رأيت - حتى وإن كان استثنائيا في طبيعته ومقام ضيفه - أن الوقت لم يعد أجمل مما هو عليه اليوم، لتسري حركة تجديدية عصرية داخل الأندية الأدبية، تحيلها من نواد إلى منتديات أكثر شمولا وأوسع اهتماما وأكثر تكاملا مع المؤسسات الحكومية والخاصة، تتوافق مع أهداف الثقافة وتوجهات الإعلام الوطني.

الأندية الأدبية بتقديري بحاجة ابتداء لرؤية وقيادات، فأما الرؤية فلا بد أن تتوافق مع رؤية الوطن ابتداء، فالأدب ليس بمعزل عن باقي عناصر التنمية إن لم يكن من أهمها، ولا سيما أنه سيكون اليد الطولى في نشر ثقافة هذه البقعة الجغرافية (المملكة العربية السعودية) بمكوناتها: إنسان المكان، وجغرافيا المكان، وتاريخ المكان، وأداب المكان، المختلفة بدءا من فلكلورياته وكرنفالاته البسيطة، وصولا إلى تشابكاته المختلفة وتمازج الفنون شعرا ونثرا ورسما ونحتا.

وأما قيادات العمل الأدبي فلا بد أن يملكوا ميزتين لا نقاش حولهما: أولاهما المعرفة والمهارة في التعاطي مع الأدب بمفهومه الشامل، وعدم الانكفاء في زاوية تخصصية ضيقة من دهاليز الأدب، لا يأنس القائد الأدبي إلا بها ولا يوجه جل عنايته إلا إليها.

والميزة الأخرى هي انفتاح القائد الأدبي على الآداب العالمية وقدرته - مع فريق عمله - لاستدراج تلك الجمان إلى الأندية المحلية، لتكون دروسا مقارنة بين الأدب المحلي ونظيره العالمي في أغراض مختلفة، وما أجمل أن تجلس في النادي الأدبي مستمعا للأدب الصيني أو النظم الهندي أو أدب المناجاة الإسلامي أو الفلكلور الإسكندنافي، وقل ما شئت.

بقي أن أختم بأن من فضل تلك الليلة علي أنها استنهضت الأدب القابع داخلي ولست بأديب! وكم كنت أتمنى أن أشارك في ليلة أبي غادة بمداخلة، بيد أن محبيه كثر، لذا فلا أقل من أن أهديه هنا ما وددت قوله هناك، وحسبي وجلا أنه نظم مبتدئ في حضرة ناقد:

ماذا أقول بحضرة الغذامي؟

لا الصمت يسعفني ولا كلماتي

هشت لمقدمكم شواطئ جدة

والموج يغزل أعذب النغمات

رمزا وطئت وبين أهلك مرحبا

عذري إليك فلن تفيك دواتي