فيصل الشمري

إرث قاسم سليماني

السبت - 08 فبراير 2020

Sat - 08 Feb 2020

شكل مطار بغداد نقطة مناسبة لخط السفر الإقليمي الواسع لقاسم سليماني، ومركز نفوذ إيران هو العراق حاليا، والتنافس بين الخصمين بلاد بابل وبلاد فارس يسبق هذا الفصل الحالي من تاريخ الإقليم. العراق شكل حياة السليماني أكثر من أي مكان آخر، بما في ذلك سوريا. قاتل سليماني إلى جانب الحرس الثوري الإيراني في العراق في حملة مكلفة على قرية الفاو. في العراق، كُتب إرث حياته المهنية في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

وكان الفيلق تحت قيادته، حيث جرى نشر أكثر الأسلحة فتكا (العبوات الناسفة) التي استهدفت القوات الأمريكية وقوات التحالف داخل العراق. وتشير التقديرات إلى أن عدد الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا بسبب العبوات الناسفة التي وفرها الحرس الثوري الإيراني نحو 600 جندي. على عكس الرأي المتداول، لم تكن القاعدة في العراق هي التي دمرت القبة الذهبية في سامراء، بل الميليشيات الطائفية / العميلة المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني وإيران. في سوريا، سليماني ربما أكثر من أي شخص آخر، هو المسؤول عن دعم الجيش السوري والحفاظ عليه كقوة متماسكة.

سليماني هو الذي جلب الأفغان والعراقيين وحتى الباكستانيين الذين ملؤوا صفوف الميليشيات الطائفية / العميلة التي وجهها في الحرب الأهلية السورية، كما كان من قاد الاستراتيجية التشغيلية لحزب الله. كل هذا أسهم في حدوث أكبر نزوح للاجئين منذ عام 1945 نهاية الحرب العالمية الثانية. هؤلاء النازحون يمكن أن يطلق عليهم اسم لاجئي سليماني. لقد أصبحوا مشردين، وفي بعض الحالات معدمين ومثقلين باليأس بسببه. وما هذا سوى لمحة عن إرثه، ولكن من أين نبدأ؟

واحدة من أبرز الميليشيات الطائفية / العميلة داخل العراق هي كتائب حزب الله. وقبل أن تصبح معروفة أخيرا لدى البعض في الغرب استهدافها للمنطقة الخضراء داخل بغداد بنيران الصواريخ وقذائف الهاون، كان لها سمعة أكثر شرا للمسلمين السنة في العراق. تلتزم كتائب حزب الله بالعقيدة الخمينية لولاية الفقيه بصرامة وتعمل بحزم تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني.

إن الإشارة إلى نقاط التفتيش في الصقلاوية والرزازة التي تديرها كتائب حزب الله تجلب الرعب للمجتمع السني في العراق. لقد كان الناس يختفون ببساطة، دون أن يبقى لهم أثر، ولن يسمع صوتهم مرة أخرى. وقد ظهرت قصص من قلة قليلة ممن نجوا من نقاط التفتيش والاختطاف. تعرض بعضهم للتعذيب باستخدام مناشير كهربائية، أو مفكات براغ كهربائية وغيرها. اختفى ثلاثة آلاف شخص في الصقلاوية والرزازة. حتى يومنا هذا، لم تستطع العوائل والأحبة الحصول على أي إجابات عما حدث بالضبط وأين مآل المفقودين. هؤلاء الأشخاص يمكن أن يشار إليهم باسم الأرواح المفقودة لسليماني.

وكان قاسم سليماني أيضا هو الدافع وراء رد الحكومة العراقية على الاحتجاجات على مستوى البلاد ضد التحالف الحاكم في طهران. فكرته كانت أطلق النار على المتظاهرين في وجههم كرادع لمنع الآخرين عن التفكير في تحدي الوضع الراهن. يمكن أن يسمى هؤلاء الجرحى والقتلى أثناء الاحتجاج على الائتلاف الحاكم في بغداد بشهداء سليماني.

ويمكن أن نتطرق أيضا إلى أن لدى الميليشيات الطائفية / العميلة التي تنتشر في الشرق الأوسط، الآن ميزة جديدة لم يكن لأسلافهم أن يحلموا بها، فتحت إشراف قاسم سليماني جرت إعادة تشكيل الصواريخ السوفيتية SA-7 (صاروخ أرض - جو) لتصبح صواريخ أرض - أرض.

يجري الآن تهريب الصواريخ الباليستية المفككة (بدائل سكود) إلى دول أجنبية، وتجميعها من قبل أفراد الحرس الثوري لمهاجمة التجمعات السكانية المدنية. استهدفت المطارات المدنية والمطارات الدولية الرئيسة بواسطة هذه الأسلحة الممنوحة للجماعات الخمينية / الطائفية.

كان أفراد حزب الله والقاعدة يعتمدون على التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة والأسلحة الصغيرة، وربما قذائف الهاون، لكن تحت راية سليماني أصبح هناك عهد جديد على العالم، الآن لدى الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية / العميلة ذخيرة صاروخية معززة بصواريخ كروز قصيرة المدى وأسلحة باليستية أيضا. ولا يمكن التراجع عن هذه الميزة الجديدة.

بالنسبة إلى عدد لا يحصى من الضباط العسكريين النشطين الذين يخدمون اليوم يجب أن يسعوا للأفضل، فالضباط بالزي العسكري لا يبنون مسارهم العسكري على دماء عشرات الآلاف من المدنيين القتلى، كما فعل سليماني. الضباط بالزي الرسمي لا يستهدفون المراكز السكانية في المناطق المدنية بالصواريخ الباليستية، كما فعل سليماني. الضباط بالزي الرسمي لا يشنون حرب حصار على المدنيين ويتركونهم يتضورون جوعا ويموتون، كما فعل سليماني.

إن إزاحة قاسم سليماني من الشرق الأوسط تستحق الامتنان لا القلق بشأن أي تداعيات مزعزعة للاستقرار. فشخصية قاسم سليماني كانت تزعزع استقرار عشرات الملايين في جميع أنحاء العالم العربي والشرق الأوسط، فهو موهوب للغاية، وقائد ساحة معركة ذكي من الناحية التكتيكية، هذه كلها تقييمات يستحقها، لكنها بالتأكيد لا تنتهي عند هذا الحد. لقد قاتل عدد قليل من الضباط في تاريخ العالم بشكل أفضل من أجل قضية أكثر بشاعة. هذا هو إرثه الحقيقي.

mr_alshammeri@