عبدالله العولقي

انتصار البريكست وتداعياته على المنطقة

الخميس - 06 فبراير 2020

Thu - 06 Feb 2020

قبل أيام حسمت بريطانيا أمرها وخرجت من منظومة الاتحاد الأوروبي تحت مسمى قانون (بريكست)، وبريكست كلمة مدمجة من british exit وتعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي كلمة حديثة أضيفت أخيرا كمفردة في قاموس اللغة الإنجليزية.

الأوروبيون منحوا بريطانيا كل ما تريده من أجل بقائها ضمن المنظومة الأوروبية الموحدة، فعندما تأسست العملة الأوروبية اليورو، ورفضت بريطانيا الاندماج معها، أعطى الأوروبيون الجنيه الإسترليني حق التفرد والبقاء كعملة قومية لبريطانيا، وعندما لم تقبل بريطانيا التوقيع على اتفاقية شنغن أو منطقة الحدود المفتوحة أبدى الأوروبيون سياسة المرونة مع لندن من أجل بقائها ضمن المنظومة الأوروبية.

في كتاب نهاية التاريخ عبر المؤرخ الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما عن انتصار القيم الليبرالية، ووصولها كحلول مثلى ونهائية إلى كل الشعوب التي ستنتهج بالحتمية قيم الثقافة الغربية، وعبر عن ذلك مجازا بنهاية التاريخ، ولكن الذي يحدث في أوروبا اليوم ينم عن واقع مغاير لهذه النظرية المثالية، فالمشهد الثقافي عموما يعبر عن سعار شعبوي وقومي متطرف يتفاقم بين الشعوب الأوروبية نفسها، نجد انعكاساته تتجلى عيانا بفوز الأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات ووصولها إلى الحكم في أكثر من 13 بلدا أوروبيا!

إن ما عبر عنه ممثلو بريطانيا في برلمان المفوضية الأوروبية أثناء وداعهم أوروبا من عبارات ضيقة، ورفع العلم البريطاني كرمز قومي للندية، يعكس الصورة التي آلت إليها الأمور من احتقان شعبوي صارخ في الوسط الثقافي الإنجليزي تجاه أشقائهم الأوروبيين، وينذر بعودة الخطاب الشعبوي اليميني وتصدره ذروة المشهد السياسي في أوروبا، والكل يدرك أن التعبئة الشعبوية كانت الشرارة الأولى تاريخيا لاندلاع الحربين العالميتين سابقا، ولهذا يرى بعض المؤرخين للحالة الأوروبية أن البريكست يعبر عن نكسة في القيم الأخلاقية الأوروبية التي نجحت خلال الخمسة العقود السابقة في خلق أنموذج إنساني فريد، تجاه التلاحم البشري وتغليب القيم الإنسانية والحضارية على كل مفردات التخلف العنصري والتطرف الشعبوي، ولهذا نجد اليوم الواقع الأوروبي يشهد صدعا ثقافيا في عمق كينونته الحديثة، فهل ستنجح ألمانيا وفرنسا بعد الخروج البريطاني من الحفاظ على تماسك الإرث الأوروبي والحفاظ على منظومته الاتحادية؟

أخيرا، هل سيؤثر البريكست على واقع المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط؟ ولا سيما أن بريطانيا كانت تحتل جغرافيا واسعة من المنطقة، وتمتلك خبرة تراكمية في التعامل مع الملفات الشائكة والمعقدة بين دول المنطقة، كما ترتبط بعلاقات جيدة مع أغلب الدول العربية، فهل سيكون لخروجها من الاتحاد الأوروبي أثر على عودة بريطانيا كلاعب أساس بين أمريكا وروسيا أم إنها ستصبح كما يردد مناهضو البريكست مجرد جزر معزولة في شمال الأطلسي؟

albakry1814@