شاهر النهاري

من هو المخلص المُنتظَر؟

الاثنين - 03 فبراير 2020

Mon - 03 Feb 2020

تتعارك معتقدات الشرق الأوسط، منذ البدايات، وتتخذ كثير من أطرافها مفهوم الشعور بالذنب على خطايا رموز مروا في تاريخ البشرية، والأديان والمعتقدات، ممن اقترفوا بعض الخطايا التي جعلت أتباعهم يبيعون دنياهم، من أجل ذلك اليوم الموعود لوصول مسيحهم أو مهديهم أو مخلصهم، الذي سيمسح الخطايا.

وتلك عقدة النجار في علاقات أغلب الطوائف في الشرق الأوسط بجدوى ومعاني الحياة، ويقينهم بدورهم المؤكد في تحمل مسؤولية التضحية، ومحاربة كل مخالف لمعتقدهم مهما تناقصت أعداد المؤمنين به، وتطهير الأرض المقدسة، استعدادا لاستقبال منقذهم المخصص، وتأكيدا على أنهم هم من يستحقون الجنة، دون سواهم.

كل دين وله مخلص مخصوص، وكل فرقة أو مذهب يختلف حال ووصف وهدف وأوان ومكان نزول أو خروج مخلصه، والحكايات التاريخية تطول وتتشعب، والمرويات تتعارض، وكل أصحاب معتقد يؤكدون أن رواياتهم هي الأفضل، والأكثر ثقة بأنها عين اليقين، وأنها الرؤية التي تنشر الحق مهما بلغت دمويتها، وأن روايات الآخرين فاسدة ملفقة، حتى ولو ادعوا كمالها وقدسيتها، بكونها من وجهة نظر معتقدهم لا تزيد على وهم وكذبة وخرافة مختلقة، وأن التحريف طالها وأنها عشم إبليس بالجنة، وأن معانيها كفر بواح لا بد من محاربته وتقزيمه، ومحوه عن وجه الأرض قبل بلوغ موعد عودة يؤكدونها رغم أنها تخالف معتقدات الفرقاء.

كثير من الشعوب الشرقية انقسمت داخليا إلى أقسام عدة متناحرة، ووقفت لشعوب أخرى مدججة بالعداء الأبدي، واليقين بضرورة الاستعداد والمشاركة الفعلية، والتفاني في إبادة المختلف، حتى لا يعترض نهاية نزول ونصرة المخلص الحقيقي.

وبعض الشعوب ظلت بدهاء تتحايل وتكذب، وتستخدم التقية، لتكسب الجولة بعد الجولة، بأمل بلوغ زمن ومكان الواقعة الأخيرة التي يرون أنها مفتاح البوابات السماوية، أو السرداب لخروج المخلص الذي تؤمن به.

وبعض الشعوب المتقدمة استغلت تلك الحكاية، مؤكدة على تخلف أهل الشرق، فرسمت خططها ومستقبلها وتحقيق مصالحها، على مفارقات مفهوم نزول المخلص الخرافي بالنسبة لها.

وبعض الشعوب المتقدمة المادية تمكنت من الفصل بين المعتقدات والحياة في محيطها، حتى بلغت ما تشتهي من المعارف والفلسفات، والتقدم المبني على العلم والتقنية، فعانقت القمر والمريخ، غير أنها هي أيضا امتلكت في سلسلة رئاساتها بعض من القادة المؤدلجين، ممن يمتلكون التصديق الروحاني بالعودة والمخلص، بشكل مطور مؤدلج، ولذلك فهم يحاولون الجمع بين منتهى المادية ونظريات اليقين

والخرافة بقرب وجود المخلص، دونما إظهار للتعارض.

وما الذي يمنع حسب تصورهم من الجمع بين الحسنيين، بنيل المصالح الدنيوية بكاملها، والعمل بشكل متواز على تهيئة الأرض والبشر لذلك الزمن الموعود، وبطريقة تمتلك نوعا من الخباثة العقلانية المبتكرة، تمكنت خلالها من الهيمنة الفعلية، وتسخير القوى لتوجيه الحروب بين أهل المعتقدات، وامتصاص خيرات جميع من ينتظرون النزول والعودة، والتعبئة وتنظيم الصفوف، والإتيان بالحلول التي تراها ممكنة، لتوسيع المكان وتطهيره للزائر القادم، وضبط الساعات الكونية ودقاتها مع بدايات وجوده، وترتيب نوع من القسمة الضيزى، والتلاعب بساحات الحرب ومظلات السلام، وإخراج فيلم العودة، والمخلص، والحدود، والنزول، بشكل عصري هوليوودي يربح فيه البطل، ويقف في النهاية منتصبا على أكوام الجثث، منهيا القصة بما كان يريد المؤلف والمخرج، ويزيد ربح المنتج.

Shaheralnahari@