محمد أحمد بابا

الظلم الساكت

السبت - 01 فبراير 2020

Sat - 01 Feb 2020

شاع في كثير من آيِ الذكر الحكيم تنزيه الله تعالى عن الظلم ومسبباته والدواعي له، فما كان ربنا ظالما للعالمين فرادى أو مجموعات أبدا، وهو كذلك سبحانه جعل التظالم بين الخلق من معوقات النفوس نحو الخلافة في الأرض واستعمارها، بما أودع فيها من مكنونات نهضة ورقيّ، ونفوس تظلم تصورا أو حمل معتقدات خاطئة إنما تظلم نفسها قبل أن يصل ذلك التعدي لغيرها، ومن ذلك جعل الشارع الحيدة عن التوحيد ظلما فقال: إن الشرك لظلم عظيم، وجعل اقتراف الذنوب القلبية من عوائد ظلم لذات النفوس فقال: وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

وفي النفوس خفايا ظلم لتكوينها، وهي تشغل مساحات رحابتها وتستهلك مشاعرها بالظن والشك والريبة والتردد بين بذل الخير ومنعه، لتظهر علامات ذلك جبنا وخوارا عن الاعتراف بالحق للغير أو المشاركة المجتمعية في حب وسلام، بل حتى عن التأمين على دعاء لمسلم بالسلامة والخير والبركة وحسن الجزاء.

وفي المقابل فإن النفوس التي ينال منها الظلم المادي أو المعنوي وتصبح مظلومة الهضم أو الجرأة، فإنها حينا تخفي ذلك الأثر تمسكا بجوانب الإباء والإكبار، فتكابد الصعوبات بحسن الخلق بذلا للماء في وجه نار لعلها تكون في ذلك صاحبة إخماد.

ولكن خفايا نفس مظلومة تظهر لك في علامات ضيم يُقعِد عن المبادرة والهمة العالية اعتيادا على خشية المغبة والعواقب.

وكذلك فإن مظلوميات النفوس التي لم تكن ذات حذر من عوارض المآلات ربما تراكم فيها الإخفاء دون علامات غير السكوت أو الصمت الذي يسبق عواصف المفاجآت، فينشق الصف ويرتفع سقف الحيف والتعسف والانتقام المرير.

ومما وجده الباحثون في التجارب ما يلاحظونه من تشوهات نفسية كبيرة تلحق استمرار حلقات ظلم معين فرديا كان أو جماعيا، حتى تستعصي علاجا على أمهر المطببين، فنخسر إنسانا بظلم كبير.

ولقد وقفت على من ظُلِمَ فنسي ظالمه ظلمه دون إيقاف ولا رفع، فاستكمل بذلك عدة الإثم وعوامل إذكاء الأحقاد بعلامات الإهمال والاستخفاف، فلجأ المظلوم لرب لا يرد دعوة مغلوب إلا بنصرته ولو بعد حين.

والمتضرر الأكبر من سحائب الظلم هي النفوس بامتياز وظهور لا ينكره أحد، ومسح تلك الآثار يستلزم وقتا وجهدا لو صرف في تنمية نفوس خليّة لعم العدل أرجاء القلوب.

وحين نستشعر الظلم الساكت فنحن نغوص في بحرين، الأول المظلوم، والثاني المجتمع، لأن اعتياد الظلم سائق للهوان، ومن يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام، وذلك مرض نفوس وإعاقة أرواح من أسباب فساد أمزجة وعقليات، وأما المجتمع فما شاع تظالم فيه ولو من فئة قليلة وسكت مظلومون خشية أو انتظارا إلا ذاق ذلك المجتمع ويلات التكاسل وتدني الهمم عن المأمول، حتى تنقلب الحقائق وتغيب الحقوق.

والنفس تواقة في أصل خلقتها لنيل ما تراه في غيرها مشاركة أو هضما، وما اعتدال النفس بالهين، إلا أن تهذيبها بالأيديولوجيات المنضبطة هو أفضل ممارسات العالمين فيما أعتقد.

albabamohamad@