الصراطات المستقيمة وصفقة القرن
السبت - 01 فبراير 2020
Sat - 01 Feb 2020
أظهر الحوار الدائر بين فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد الخشت، حال إلقاء الأخير ورقته في مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، أظهر واقع الأزمة في طبيعة الذهنية الحاكمة لمنهجنا البحثي والنقاشي بوجه عام، حيث لم يخرج تعليق شيخ الأزهر ـ مع عمق علمه ـ عن ظاهرة الانسياق ـ دون إرادة منه ـ وراء ما يريده الناس لا ما يجب أن يكون، فكان جراء ذلك أن فهم دعوة الدكتور الخشت إلى التحرر من مفهوم الحق المطلق واليقين القطعي بأنها دعوة إلى الشك بالحق من أساسه، فإما يقين أو شك من وجهة نظره، وغفل ـ وهو العالم العارف بخبايا الأمر وقواعده ـ عن أن المقابل لذلك هو الحق النسبي وليس الشك.
هذه الحيثية تعيدنا إلى المربع الأول الذي أشرت إليه في مقالات قديمة، دعوت فيها إلى وجوب التفريق بين نوعين من الخلاف والاختلاف، أولهما قائم على التضاد، انطلاقا من إيمان مطلق بيقينية الحق، فإما حق أو باطل، كفر وإيمان، جنة أو نار، وفق القائلين بذلك، فيكون ما يؤمنون به هو الحق المؤدي للجنة، وغيره هو الباطل المهلك في النار.
أما ثانيهما فهو قائم على الإيمان بالتنوع، إيمانا بنسبية الحق مصداقا لقوله تعالى «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين»، وتطبيقا للقاعدة الأصولية التي تنص على أن «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وبالتالي ينبني على هذا الخلاف زيادة الأجر أو نقصه، وليس التضاد الحاد (كفر أو إيمان) كما السابق، وشتان بين الأول والثاني من حيث السلوك والحياة، وليست أعمال داعش ببعيدة عنا وهي التي انطلقت في مبناها العقائدي من النوع الأول القائم على خلاف التضاد وليس التنوع.
أمام هذا التفصيل أليس من المنطق أن نؤمن بأن الصراط ليس واحدا؟ بمعنى أن بلوغ الصراط المستقيم الذي يخالف نهج المغضوب عليهم، ويعاكس أسلوب الضالين، يمكن الوصول إليه من طرق شتى متنوعة المشارب، لكنها متفقة في الغايات الكبرى والقواعد الكلية الرئيسة. سؤال بات واجبا أن يُطرح بعمق وروية ضمن أروقة مؤسسة الأزهر ومثيلاتها في الوقت الراهن.
كل هذا عشته تفكيرا وأنا أشاهد حيثيات الحوار عبر شاشة اليوتيوب، وفي المقابل أشاهد شاشات التلفزة وهي تضج وصفا وتحليلا لحيثيات صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي ترمب بمعية الإسرائيلي نتنياهو، التي تلغي كل ما بقي من حق دولي للفلسطينيين فرضته شرعة الأمم المتحدة وقراراتها خلال القرن العشرين المنصرم، وتساءلت: كيف يمكننا أن نواجه خطة رامية إلى إسقاط حق سياسي أصيل لشعبنا في فلسطين ونحن لا نزال نعيش أزمة في فهم بعضنا البعض، واستيعاب آراء من يخالفنا، ومحاولة تأملها؟ فربما يكون فيها جانب من حق نفتقده، ثم إذا أردنا مناقشتها فليكن ذلك بهدوء بعيدا عن صخب العامة وتصفيق الجماهير.
ختاما، علينا أن ندرك أننا نمر بأصعب مراحل حياتنا التاريخية على الإطلاق، إذ لم نعد نملك التاريخ، وباتت الجغرافيا بمنأى عنا، وفقدنا ما نختزنه في داخلنا من قيم ومروءة، وتاهت أبصارنا عن إعمال ثقافة التأمل والتدبر، وتشوشت أذهاننا معرفيا، وانبرى الرويبضة يتسنمون ذرا مجتمعنا، واستشرى الزيف والوهم بين ظهرانينا، وغاص عديد من مفكرينا في نقاشات يقود سمتها الجماهير، ثم بعد ذلك كيف يمكننا أن نقرر مصيرنا، ونتولى رسم ملامح مستقبلنا؟!
حقا الأمر جلل، ويجب أن يتداعى لأجله الواعون، أو يتداركنا الله برحمته.
@zash113
هذه الحيثية تعيدنا إلى المربع الأول الذي أشرت إليه في مقالات قديمة، دعوت فيها إلى وجوب التفريق بين نوعين من الخلاف والاختلاف، أولهما قائم على التضاد، انطلاقا من إيمان مطلق بيقينية الحق، فإما حق أو باطل، كفر وإيمان، جنة أو نار، وفق القائلين بذلك، فيكون ما يؤمنون به هو الحق المؤدي للجنة، وغيره هو الباطل المهلك في النار.
أما ثانيهما فهو قائم على الإيمان بالتنوع، إيمانا بنسبية الحق مصداقا لقوله تعالى «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين»، وتطبيقا للقاعدة الأصولية التي تنص على أن «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وبالتالي ينبني على هذا الخلاف زيادة الأجر أو نقصه، وليس التضاد الحاد (كفر أو إيمان) كما السابق، وشتان بين الأول والثاني من حيث السلوك والحياة، وليست أعمال داعش ببعيدة عنا وهي التي انطلقت في مبناها العقائدي من النوع الأول القائم على خلاف التضاد وليس التنوع.
أمام هذا التفصيل أليس من المنطق أن نؤمن بأن الصراط ليس واحدا؟ بمعنى أن بلوغ الصراط المستقيم الذي يخالف نهج المغضوب عليهم، ويعاكس أسلوب الضالين، يمكن الوصول إليه من طرق شتى متنوعة المشارب، لكنها متفقة في الغايات الكبرى والقواعد الكلية الرئيسة. سؤال بات واجبا أن يُطرح بعمق وروية ضمن أروقة مؤسسة الأزهر ومثيلاتها في الوقت الراهن.
كل هذا عشته تفكيرا وأنا أشاهد حيثيات الحوار عبر شاشة اليوتيوب، وفي المقابل أشاهد شاشات التلفزة وهي تضج وصفا وتحليلا لحيثيات صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي ترمب بمعية الإسرائيلي نتنياهو، التي تلغي كل ما بقي من حق دولي للفلسطينيين فرضته شرعة الأمم المتحدة وقراراتها خلال القرن العشرين المنصرم، وتساءلت: كيف يمكننا أن نواجه خطة رامية إلى إسقاط حق سياسي أصيل لشعبنا في فلسطين ونحن لا نزال نعيش أزمة في فهم بعضنا البعض، واستيعاب آراء من يخالفنا، ومحاولة تأملها؟ فربما يكون فيها جانب من حق نفتقده، ثم إذا أردنا مناقشتها فليكن ذلك بهدوء بعيدا عن صخب العامة وتصفيق الجماهير.
ختاما، علينا أن ندرك أننا نمر بأصعب مراحل حياتنا التاريخية على الإطلاق، إذ لم نعد نملك التاريخ، وباتت الجغرافيا بمنأى عنا، وفقدنا ما نختزنه في داخلنا من قيم ومروءة، وتاهت أبصارنا عن إعمال ثقافة التأمل والتدبر، وتشوشت أذهاننا معرفيا، وانبرى الرويبضة يتسنمون ذرا مجتمعنا، واستشرى الزيف والوهم بين ظهرانينا، وغاص عديد من مفكرينا في نقاشات يقود سمتها الجماهير، ثم بعد ذلك كيف يمكننا أن نقرر مصيرنا، ونتولى رسم ملامح مستقبلنا؟!
حقا الأمر جلل، ويجب أن يتداعى لأجله الواعون، أو يتداركنا الله برحمته.
@zash113