سالم الكتبي

كورونا ومصادر التهديد الجديدة

الخميس - 30 يناير 2020

Thu - 30 Jan 2020

شهد العقد الأخير وبدايات القرن الـ 21 تفشيا لعديد من الأمراض والأوبئة سريعة الانتشار، الناجمة عن فيروسات غير معروفة، مثل «سارس» و»إنفلونزا الخنازير» وغيرهما من أوبئة تسبب بعضها في خسائر بشرية كبيرة، وأخرى اقتصادية ضخمة لاقتصادات دول العالم.

وأحدث هذه الأوبئة فيروس «كورونا» الذي أثار قلقا عالميا في الآونة الأخيرة، والذي يشبه في أعراضه فيروس «سارس» الذي انتشر عام 2002 وتسبب بوفاة نحو 800 شخص حول العالم.

كورونا الذي يتفشى في مدن صينية عدة انتقل إلى بعض الدول بفعل حركة السفر والتنقلات، ويشعر سكان العالم بالخطر جراء التقديرات التي تقول إن الفيروس سيقتل 65 مليون شخص أثناء تفشيه عالميا خلال الفترة المقبلة، والأمر لا يقتصر على التقديرات، بل إن هناك تصريحات رسمية صينية تشير إلى خطورة المرض، حيث أكد وزير الصحة الصيني أن قدرة فيروس «كورونا» الجديد على الانتقال بالعدوى تزداد قوة، وأن عدد الإصابات يمكن أن يستمر، وهذا ما دفع الصين إلى سرعة بناء مستشفى كبير مخصص لاستقبال المصابين بالمرض.

إحدى إشكاليات الفيروسات الجديدة أنها مجهولة المصدر، والمعلومات المتاحة حولها قليلة أو محدودة، وبالتالي يصعب التعرف إلى مسارات تطورها وإمكانية تحورها، كما أن العالم لم يطور ـ حتى الآن ـ منظومة فاعلة للتصدي لهذه الأخطار والتهديدات الجديدة، بل إن هناك اتهامات وشكوكا كثيرة حول مصدر الفيروسات، وهل تسربت من مختبرات تابعة لدول معينة أم انتقلت من الحيوانات أو الطيور إلى البشر عن طريق المصادفة؟

ولا شك أن منظمة الصحة العالمية والمنظمات المتخصصة تقوم بدور كبير في حالات الطوارئ الصحية المشابهة، ولكن يبقى الخوف والقلق مسيطرين على العالم، وتبقى الجهود في أطر فردية من دون تعاون دولي جماعي لإدارة مثل هذه الأزمات ومحاصرتها منذ بدايتها.

قائمة التهديدات الصحية التي تواجه سكان العالم تطول، والمؤشرات تؤكد أن ضحايا تلوث الهواء على سبيل المثال أكبر بكثير من ضحايا الحروب والصراعات والأزمات العسكرية، حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن استنشاق مركبات خطرة يؤدي إلى وفاة سبعة ملايين شخص مبكرا في أنحاء مختلفة من العالم، بينما تقضي أمراض السكري والسرطان والقلب على حياة 41 مليون شخص سنويا وتشكل نحو 70 % من أسباب الوفاة بشكل عام.

التصدي لتهديدات الأوبئة الطارئة مسألة تتطلب جهودا وطاقات كبيرة، ولا سيما في حالات الانتشار الوبائي السريع للفيروسات مثلما يحدث حاليا مع «كورونا»، لذا فإن التكاتف والتعاون العالمي مسألة مهمة للغاية في مساندة الدول التي تعاني انتشارا لهذه الأوبئة، لذا فإن دولة الإمارات قد بادرت إلى إعلان استعدادها لتقديم كل أشكال الدعم للصين، لاحتواء فيروس «كورونا»، حيث قال ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد في تغريدة على تويتر «نتابع باهتمام جهود الحكومة الصينية لاحتواء انتشار فيروس كورونا.. نحن على ثقة بقدرة الصين الصديقة على تجاوز هذه الأزمة»، وأشار إلى استعداد الإمارات لدعم الصين للتصدي للفيروس، قائلا «دولة الإمارات وفي إطار نهجها الإنساني، على استعداد لتقديم أشكال الدعم كافة للصين، والتعاون مع المجتمع الدولي للتصدي لهذا الفيروس».

مثل هذه الروح الإيجابية يجب أن تسود العلاقات الدولية، ولا سيما في أوقات الأزمات الصحية التي تطال البشر، فالموارد والإمكانات يجب أن توجه للتصدي لأي أخطار أو تهديدات تواجه البشر في أي مكان، ومثل هذه المواقف الإماراتية تؤكد عمق الصداقة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين، وتمثل كذلك نموذجا يحتذى في المبادرة لتقديم الدعم في الحالات الطارئة، لأن هناك تهديدات وظروفا عابرة ربما تتطلب تضامنا عالميا وربما يفوق بعضها قدرات دول بمفردها، مهما تعاظمت القدرات والإمكانات الذاتية، على مواجهة بعض المواقف، حيث يبرز هذا الأمر بوضوح في حالات مثل الكوارث الطبيعة والزلازل والبراكين، وغيرها من أزمات تضع الدول والشعوب في مواجهة ظروف وتحديات غير طبيعة، وتتطلب تعاونا أكبر من بقية الدول والشعوب.

salemalketbiar@