شاهر النهاري

صندوق بشار الأسود

الاثنين - 27 يناير 2020

Mon - 27 Jan 2020

اختطف طائرة سوريا منذ تسعة أعوام، رغم أنها تفجرت بكل معاني الظلم، ولم يتبق منها إلا جزيء صغير، ظل مستمرا بالطيران والاحتراق، ومقاومة الريح، بعد أن قام طيار روسي، وطباخ تركي ورامي مقذوفات إيراني، بمساعدته على البقاء في الجو، معاندين التحديات، ومتهاونين بتعاظم أعداد القتلى في هذا الحادث الشنيع، وتفاقم المآسي على ذلك الكيان المحترق المتهاوي كثير الفرقعات، وما يقع تحته على وجه الأرض من حرائق تذكيها القوى الغربية والإقليمية، مسببة تنامي أعداد المنظمات الإرهابية بمعتقدات شتى وأغراض مريبة، وتطلعات خفية لا تتفق على وجهة نظر واحدة، فيختلف العدو فيها والصديق بين الصبح والمساء، وتتفاقم المآسي، والموتى والمهجرون بالملايين، والمتنازعون على اقتسام الحصص يخلقون بلبلة في الألسن ومسابقة في الخيانة وتفننا في خبث إبقاء بقايا الطائرة في الجو، والتنازع على من يقودها، ومن يستحق أن يبقى في صورة الاستقواء.

تسع سنوات وصندوق بشار يستمر ريشة على جناح بواقي الطائرة، ولكنه يعاند الانتهاء الكلي، ويستمر في أداء أدواره المخزية الجالبة للعار لكل عربي، والحسرة والتشرذم والدموية والهوان والانقسام لمن تبقى من أهل سوريا.

كثيرون ممن يتعاركون على أشلاء كيان سوريا يحاولون إبقاء صندوق بشار معلقا في الجو، حتى لا يتم سماع ما فيه من معلومات خزي فاضحة، لأن مجرد وصوله لطرف عاقل سيجعل دعاوى مراعاة حقوق الإنسان تتكشف، والإرهاب العالمي يتعمق، والسياسة تتدنى أكثر وتنفضح نوايا كل من تدخل في ذبح سوريا، ومن حاول احتلال أجزاء منها لصالح أمن بلده، وسرقة البترول، ومن انتقم من العرب السوريين، ومن صنع ودعم الإرهابيين، ومن عرج على مشاكله العنصرية مع الأقليات الكردية ليتخلص منها للأبد.

ولا ننسى هنا من اختطفوا دولة لبنان بحجة المقاومة، ومن مدوا جذورهم المسمومة فيما تبقى من سوريا، وجعلوها حجتهم للوصول إلى العراق، واليمن، وليبيا، بميليشيات إرهابية عميلة دموية، تتمنى أن تصبح العواصم العربية شبيهة بجرم الطائرة السورية المختطفة المتهالكة المحترقة.

مشكلة هذا الكيان السوري الهش أنه ما يزال يدور في الجو، وأنه يقذف بالشرر والبراميل والغازات الحارقة والأزمات على المناطق القريبة والبعيدة في الشرق، وأن الصندوق البشاري يظل خافيا، مما يزيد من تعقيد الأمور، وتغور الأسرار وضياع الحقائق.

هل عجزت كل الدول العظمى التي تشارك في إبقاء الجناح المحترق محلقا، عن معرفة مكنون الصندوق، أم إنها تعرف ولا تريد أن يسمعه العالم، حتى لا ينكشف تورطها السافر وأطماعها القذرة، وسياساتها غير الإنسانية؟

هل تعجز الدول الإقليمية المشاركة في تعظيم وتعميق المأساة، أو محاولات إطفائها بالكذب أو بنوايا حسنة أن تبلغ الصندوق، وتكشف ما يختبئ فيه أم إنها تعلم أن به ما يفضح ضعفها وهوانها فتتمنى انفجاره، قبل أن تنتهي فصول المأساة؟

ألا يحق لشعب سوريا الذي عُذب وسُجن وقُتل وهُجر أن يعرف الحقيقة، ويطلع على ما في الصندوق من عجب؟

أم إنه محرم عليهم حتى سماع الحقيقة، وأن الصندوق لا بد أن يختفي في النهاية بقدرة قادر، كي يستمر الظلم والظلام ينتقلان من وطن عربي لآخر بدعوى توطين الإنسانية والديمقراطية، رغم أن الهدف الحقيقي منه ليس إلا مصالح جشعة ملتوية تفرض بسطوة الظلم.

Shaheralnahari@