جبريل العريشي

الحوسبة المستدامة

الجمعة - 24 يناير 2020

Fri - 24 Jan 2020

أدى التطور التكنولوجي الحادث على مستوى العالم إلى حدوث طفرة في إنتاج أجهزة وبرمجيات الاتصالات والمعلومات، وهو ما أدى بدوره إلى تفاقم المشكلات البيئية الناتجة عن ازدياد استهلاك الطاقة بواسطتها. ومن ثم فقد ظهر مفهوم الحوسبة المستدامة كطريقة تحد من متطلبات الطاقة اللازمة لتشغيل البنى التحتية الحاسوبية، وتسعى في الوقت نفسه لأن تكون الأجهزة الحاسوبية غير مهدرة للطاقة على المدى الطويل، ولأن تكون الطاقة المستهلكة مستمدة من مصادر الطاقة المتجددة في البيئة.

ومن هنا، يمكن تعريف الحوسبة المستدامة كذلك بأنها «الحوسبة ذات الطاقة المستدامة»، فهي تمثل التوازن بين الطاقة المطلوبة للحوسبة من جانب، والطاقة المتاحة من المصادر المتجددة والمصادر الخضراء من جانب آخر.

وهناك العديد من الطرق التي يلجأ إليها للوصول إلى نموذج الحوسبة المستدامة، إذ يعد تخزين الطاقة التي يمكن الحصول عليها من الموارد المتجددة المتوفرة في البيئة المحيطة إحدى هذه الطرق، ويستخدم في هذا الإطار عديد من التقنيات المتاحة للتخزين، مثل المكثفات الفائقة، والبطاريات، وخلايا الوقود، وتخزين الهواء المضغوط، وغير ذلك. ويعتمد حجم الطاقة المخزنة على الحد الأقصى لسعة الطاقة لجهاز التخزين.

إضافة إلى ذلك، يمكن الاعتماد بصورة أكبر على مصادر الطاقة المتجددة. وقد صمم مهندسو فيس بوك على سبيل المثال وبنوا مركز البيانات الخاص بها في دائرة القطب الشمالي، بحيث يعتمد على شبكة السدود الكهرومائية السويدية للحصول على طاقة كهربية ذات اعتمادية عالية وبتكلفة رخيصة، كما يعتمد على المناخ المتجمد للمنطقة في الحصول على ما يلزمه من طاقة تبريدية من خلال السماح للهواء البارد من خارج المبنى بالمرور عبر خوادم مركز البيانات بعد ترشيحه وضبط درجة الرطوبة فيه، وذلك بدلا من الاعتماد على أجهزة تكييف الهواء الضخمة التي تستهلك طاقة كهربية عالية.

كما يجري تصميم البنى التحتية الحاسوبية بحيث تقل متطلباتها للطاقة، وذلك كإحدى طرق الحوسبة المستدامة. فقد تخلص مهندسو فيس بوك في مركز البيانات سالف الذكر من فتحات الذاكرة الإضافية، والكيابل الزائدة والواقيات البلاستيكية في الأجهزة الحاسوبية المركبة في المركز، مما أدى إلى الوصول إلى عدد أقل من الخوادم الحاسوبية ذات الأحجام الأصغر، والتي تتعرض في الوقت نفسه إلى تدفق أفضل لهواء التبريد، بحيث أصبح مركز البيانات يبدو كوحدة متكاملة تحتاج لطاقة تبريدية أقل، خلافا لمراكز البيانات التقليدية التي تتكون من صفوف من الخوادم الكبيرة ذات الاحتياجات العالية للطاقة اللازمة للتبريد. ففي الوقت الذي يحتاج فيه أي مركز بيانات لطاقة كهربية للتشغيل والتبريد تبلغ 3 وات، لكي تنتج ما مقداره 1 وات من الأعمال الحاسوبية، فإن مركز بيانات فيس بوك يحقق نسبة 1.04 وات مقابل 1 وات، هذا إضافة إلى بيئة أكثر نظافة بمقدار 3 مرات عن مراكز البيانات الأخرى.

لذا، يعد مركز بينات فيس بوك في السويد معبرا عن الصورة الأمثل لنموذج الحوسبة المستدامة.