عبدالله المزهر

الإجابات السهلة مخادعة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 19 يناير 2020

Sun - 19 Jan 2020

أعتقد أن طريقة تفكير المواطن العربي تحتاج إلى دراسة أو دراسات اجتماعية جادة، وأظن أن هذا هو العصر الذهبي لعلماء الاجتماع من حيث كمية الظواهر والحالات التي يمكن إلقاء الضوء عليها وفهمها فهما عميقا وحقيقيا.

شاهدت فتاة يافعة في ريعان شبابها تهتف ومن خلفها جموع من المتحمسين والمتحمسات في شوارع بيروت ـ عاصمة لبنان التي تعرفون ـ وكانت في هتافها الحماسي تريد مع رفاقها في تلك التظاهرة تخليص السعودية ودول الخليج العربي من الطائفية والرجعية والمذهبية.

وهي بالطبع ليست الوحيدة في شوارع عالمنا العربي التي تصرخ من أجل تخليص سكان الجزيرة العربية من التخلف والرجعية.

يمكن القول بأنها حاقدة وتكره الخليج والسعودية، وهذا مخرج مريح إلى حد ما، ولكن المعضلة لو لم تكن كذلك، أعني أنها مقتنعة بما تقول ومؤمنة به وتصرخ وهي مؤمنة إيمانا لا يخالطه شك برسالتها.

ولبنان والفتاة اليافعة هنا مجرد مثال من فكرة سائدة وموجودة في العالم العربي عموما ويوجد من يؤمن بها إيمانا قطعيا، فهذه الفتاة تصرخ من وسط أكوام الزبالة والعفن السياسي والمذهبي والطائفي والاقتصادي والاجتماعي في بيروت، وتنادي بتخليص السعودية من الرجعية وهي مؤمنة أنها على الطريق الصحيح وأن المشهد ليس سرياليا ـ السريالية هي الاسم الفني لأحلام نومة العصر، وحتى أمثالها ممن ينتقدون أوضاع بلدانهم لا بد أن يحملوا السعودية والخليج أسباب مشكلاتهم.

والسؤال المهم والجوهري بعيدا عن نظرية الحقد والكراهية ـ وهي صحيحة في حالات ـ لماذا يعتقدون هذا الاعتقاد، ويؤمنون به كحقيقة مطلقة؟!

هل هو نوع من أنواع الهروب من الواقع أم إنه إسقاط نفسي، أم هو شيء جديد لم يتطرق له علم النفس وعلم الاجتماع من قبل. ربما يكون كذلك، ولذلك قلت بأن هذا العصر فرصة لعلماء الاجتماع ربما للخروج بنظريات جديدة تفيد البشرية.

وقد يكون السبب أننا فشلنا في تقديم أنفسنا بشكل أفضل، وربما لأن إعلامنا في هذه المنطقة من العالم ربما يكون هو الإعلام الوحيد في هذا الكوكب الذي لا يتحكم فيه أبناؤه، وربما لأننا ساعدنا بشكل أو بآخر في رسم هذه الصورة النمطية من خلال الاستسلام الثقافي والإعلامي للأخ العربي الذي أعطيناه الخيط والمخيط في إعلام الخليج سنوات طوالا وما زال.

وقد يقول قائل: لماذا تستبعد فكرة أننا فعلا رجعيون ومتخلفون، فأقول إني ربما كنت سأدرج هذا ضمن الاحتمالات لو أن من ينتقدني مواطن نرويجي أو سويدي أو حتى من الأصدقاء الكوريين، لكن حين يأتي هذا الوصف من الإخوة الذين يقبعون في قاع تصنيف كل شأن من شؤون الحياة فإني سأستبعد هذا الاحتمال.

وعلى أي حال..

قد تعطي الإجابات السهلة حلولا مريحة للأسئلة الصعبة، وقد تكون حلولا صحيحة، ولكن هذا لا يعني أن ننسى أن الإجابات السهلة والمتوقعة غالبا ما تكون مخادعة، مهمتها صرف الأنظار عن الإجابات الحقيقية التي غالبا ما تكون غير متوقعة.

لا أعرف الإجابات يقينا ولا أحب البحث عنها، كل ما في الأمر أني أحب البحث عن الأسئلة وشنقها بعلامات الاستفهام.

agrni@