علي المطوع

السياسة بين الكاتب والرقيب

الجمعة - 17 يناير 2020

Fri - 17 Jan 2020

في الصحافة عموما والعربية خاصة، الرقيب سلطة فوق السلطة بمحاذيره وهواجسه وسقفه، والوقت حد فاصل بين ما يناسب النشر وما فاته قطار زمنه، والقدرة على حَبك الموضوع وطريقة كتابته تبقيان مسألة يتفاوت الناس حولها تبعا للمدرسة وأعلامها وذوقهم الفني في التعاطي والحكم والتناول.

ان كتابة المقال السياسي لتعد من أبسط المهام، خاصة لإنسان يعيش في الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي لا تخرج من مشكلة إلا وتدخل في أخرى، ولا تسكن من خطب إلا ويعتريها خطب آخر.

هذا القلق المستمر هو المادة الأساسية والبنية التحتية لكتاب الرأي السياسيين والمحللين خلف الكاميرات، هذه الفتن والقلاقل تصنع آراء مختلفة ووجوها مخالفة تعيش على هذه الأزمات، بوصفهم خبراء في الكتابة والتحليل السياسي.

الكاتب البسيط الذي يريد أن يساير المرحلة، يركب هذه الموجة من الموضوعات، فيبحث عن الحدث السياسي، ويبدأ في تحليله مستخدما ما يتوفر لديه من معلومات، سواء كانت معلومات سياسية أو سياقات تاريخية لأحداث سابقة شبيهة وقريبة، يحاول من خلالها الربط والمقارنة والمقاربة، وأحيانا الزج والمواءمة للوصول إلى نتائجه الخاصة التي تتضمن الإجابة عن السؤالين المهمين: لماذا؟ وكيف؟

بعد السؤالين تأتي مهمة التنبؤ بالأحداث التي ستحصل في المستقبل ومدى تأثرها بما حصل اليوم، وهل حادث اليوم هو إرهاص للمستقبل أم هو نتيجة لما كان أو سبب لما قد يحدث؟ كل تلك الأسئلة وإجاباتها هي ما يصنع المادة السياسية، سواء كانت مقالا أو إطلالة تلفزيونية أو تغريدة تويترية.

المقال السياسي مخرج طوارئ لبعض كتاب الرأي، ففيه فسحة من الخيال والتذاكي، إضافة إلى أن ما يكتب لا يُسأل عنه صاحبه بعد حين، كونه قال رأيا على هامش حدث جسيم، وبالتالي ينسى الناس ما قيل ويبقى الحدث راسخا في ذاكرتهم الجمعية ويصبح نقطة بدء أو وصل، أو نهاية لسياق تاريخي يقرأ أو يقاس عليه.

وعليه فإن كاتب الرأي السياسي في فسحة من أمره ما لم يصب تابوها يحرم الاقتراب منه، فضلا عن ملامسته أو معاكسته، وهذا يطيل من عمره الحضوري كونه عند العامة خبيرا بدهاليز السياسة مدركا لأبعادها المختلفة، وعند الخاصة هو شخص يقول ولا يعلم.

السياسة عند أربابها فن الممكن، وعند الكتاب البسطاء فن من لا فن له، وعند الرقيب محاذير عامة وخاصة يجب مراعاتها والاحتراس منها.

والناس تظل على اختلاف أطيافها ومشاربها المستهدف الأول من كل ما يرشح عن السياسة وأهلها من قول أو فعل أو عمل، ليظل العربي الذي يمتهن الشأن السياسي كتابة أو إطلالة من خلال منصات الإعلام شخصا في أغلب الأحوال لا يعلم، والذي لا يعلم في السياسة هو الأكثر حديثا عنها، وعن أحداثها وشخوصها وشواهدها ومآلاتها، في حين أن الذي يعلم هو الذي لا يقول ولا يكتب، وشتان بين من يعلم فيقول، ومن يقول وهو لا يعلم.

@alaseery2