ريم منصور

بأي العينين ترى الرداء الأحمر؟

الخميس - 16 يناير 2020

Thu - 16 Jan 2020

خلق الله سبحانه جل في علاه عينين لكل إنسان، وقد جاء هذا التحديد في العدد لخلق الله حكمة ربانية لا يعلمها إلا هو سبحانه، وكون الله رزق الإنسان عقلا للتدبر والتفكر في جميل خلق الله وبديع صنعه، تبادر لذهني سؤال: هل جميع الناس ذوي الأعين السليمة يرون بكلتا العينين أم بعين واحدة؟

جاء هذا السؤال من ملاحظة بروز ظاهرة الأحادية في الرأي، وفي الحكم على الأشخاص وعلى الأمور في غالبها، وقد كتبت هذه المقدمة إشارة إلى ظاهرة عدم احترام الاختلاف بين الناس في الرأي أو في الأسلوب أو في المنطق أو في الأفكار.

فعلى المستوى العام مثلا في وسائل التواصل الاجتماعي، وأخص من ذلك تويتر على سبيل المثال، نجد كثيرا من النقاشات الحادة حول المواضيع المهمة وغير المهمة، وكأننا في حلبة صراع بين التخصصات وبين المهن أو بين الوظائف المختلفة، بل إن الأمر تعدى ذلك ليطال الأمور التافهة، ولسان حال الجميع يقول: رأيي هو الصواب. ويتنوع الصراع بتنوع الأفكار المطروحة وطريقة فهمها أو قبولها وردها، وتخطى الجدال الأمور العامة المسموح النقاش حولها إلى جدال حول الثوابت، أو حول المعايير والأنظمة التي لا تقبل الجدال، وكأن الجميع قد طلب منهم إبداء رأيهم والدخول في محيط الثور والرداء الأحمر، بل إن محيط الثور ورداءه أصبح في المنزل كذلك وبين أفراد الأسرة الواحدة، لتنتهي الجدالات العقيمة إلى مشكلات جسمية بدأت باختلاف فكرة أو رأي وانتهت بسب وندب وحرقة قلب.

إن الفكرة الأساسية من هذا المقال تدور حول التعصب للرأي الخاص، ومحاولات إثباته بإلحاح حتى يتبادر في بال المطلع أن هؤلاء المتصارعين يتقاضون مبلغا من المال كأجر لإثارة الصراع والجدال وبث التنافر والكراهية! المصيبة عندما نجد في أطراف هذا الجدال ومحاولات إثبات الرأي بعضا من مثقفي المجتمع أو أصحاب الدراسات العليا أو أصحاب المناصب النافذة والمؤهلات العالية.

ألا يعي هؤلاء أن الاختلاف حق بشري طبيعي يجب التمسك به، وقد ورد ذلك في كتاب الله الكريم في قوله «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) هود 118.

وحق الاختلاف البشري في الأصل يحقق غاية التكامل في جميع متطلبات الحياة بداية من اختلاف الرجل والمرأة، إلى اختلاف الفكرة والأسلوب، فلنتخيل لو كان الناس يتصفون بعقلية واحدة وأفكار متناسخة لا اختلاف فيها، فكيف لنا أن نتقدم أو نحقق رغبة الانسجام والتكامل.

وبعد الانفتاح العالمي والانفجار المعرفي الاقتصادي الذي نعيشه، أما آن لنا أن نستثمر ثقافة الاختلاف كي تكون أحد المدخرات الإنسانية المنتجة للعلم والمعرفة ثم التقدم الصناعي المنشود، ربما ما رأيته خطأ يكون صحيحا في عيني غيرك، وربما تمتلك تلك الفكرة التي نقدتها ثورة علمية بعيدة عما عرفت وتعلمت وفهمت، فلنبتعد عن الفكرة البائسة؛ إن لم تكن معي فأنت ضدي، ولنحترم آراء الآخرين وأفكارهم، فلربما ما رأيناه صوابا كان سبب تأخرنا في التقدم، وإن لم تكن تحترم فكرة الاختلاف في دقيق الأمور وكبيرها فأنت لم تتعلم.