مرزوق تنباك

الآثار والسياحة الدينية

الثلاثاء - 14 يناير 2020

Tue - 14 Jan 2020

كان مقال الأسبوع الماضي عن ما تنتقيه الدول مما لديها من الميزات النسبية في كل شيء، والأماكن المرشحة للسياحة واحدة مما تظهره الدول وتبرزه وتعبد الطرق إليه، وتقيم النزل به والخدمات التي يحتاجها الزائرون وتنفق المليارات على الإعلان عنه والدعاية له لجذب السياح من الشرق والغرب لغرض اقتصادي بحت، وبعض الدول يعتمد اقتصادها على ما تدره السياحة من العملة الصعبة لتلك الدول حتى صارت السياحة صناعة عالمية.

وفي هذا المقال سنتحدث عن السياحة، وهي ميزة نسبية للمملكة لا توجد إلا عندنا، تلك هي السياحة الدينية حيث الحرمان الشريفان وحيث مهبط الوحي الذي تهفو إليه أفئدة مليار ونصف المليار مسلم في كل قارات الدنيا، حيث الأماكن التي حمل التاريخ أسماءها ومواقعها وأثر النبي الذي سار خطواته الأولى فيها، كان مولده ونشأته ومبعثه وتنقله ورحلاته ورسالته للناس كافة، وأماكن استقراره وغزواته والأحداث العظيمة التي شهدتها الحجاز في عهده، كل ذلك حمل التاريخ والأحاديث أسماءها وحدد مواقعها، فكان المسلمون اليوم وقبل اليوم يقرؤون كل ذلك حيا في التاريخ، وأمنية كل منهم أن يراها ويشاهدها على الطبيعة كما وصفتها له الروايات والأخبار. وعندما يأتي الحجاج والمعتمرون يتعطشون لرؤية تلك الآثار والوقوف عليها للعبرة والعظة، والذكرى التي يعودون بها إلى بلادهم بعد انقضاء حجهم وعمرتهم.

والآثار الإسلامية القديمة كنز ثمين، ولكن مع الأسف الشديد أنه قد نالها كثير من الإهمال والترك والتجاهل، وتعرضت في سنين مضت إلى المحو، وطمست معالم بعضها وقلت العناية بها من جميع الوجوه ولم يعد أحد يتحدث عنها أو يعتني بها، والشباب خاصة لا يعرفون حتى أماكن وجودها، بينما يأتي المسلمون في الحج والعمرة ويحاولون زيارتها والتعرف عليها فلا يجدون سبيلا إلى ما كان منها خارج مكة والمدينة، بل حتى ما في هاتين المدينتين لا يتيسر الوصول إليه في كثير من الحالات لأسباب كانت معروفة للجميع وقد زالت أو خفت بعض الشيء.

والمملكة قارة واسعة الأرجاء وفيها فرص وميزات لجذب السياح في كل الأماكن، وتنوع في المناخ والطبيعة، وكذلك الآثار القديمة التي كانت قبل الإسلام في شمالها مثل الآثار الثمودية والنبطية واللحيانية التي لا زالت شاخصة ومحفورة في الجبال بشكل تحف فنية رائعة.

وقد التفتت الدولة إلى ما في أرضها من كنوز الماضي، وأهمية أن تشارك العالم بما لديها من مناطق جذب مهمة، وقد حصل تطور وإدراك لقيمة السياحة وأهميتها في جميع المجالات، وتنشيط هذا المجال الحيوي له أكثر من غرض غير الاقتصادي مع أهمية الاقتصاد وضرورة تنمية موارد البلاد غير البترولية، حيث كنا إلى عهد قريب نعتمد على البترول كمورد كاف أغنانا عن البحث في تنمية الموارد الموازية له، وهو السبب الذي حول اهتمامنا عن السياحة ومواردها التي كانت منطقة الحجاز تعتمد عليها حتى اكتشاف البترول.

ولكن اليوم أصبح من الأولويات تنويع الاقتصاد من جميع وجوهه الممكنة، وقد فتحت أبواب السياحة وتغير الموقف الذي كان يمانع في الماضي، ويبقى أن للآثار الإسلامية خصوصية جاذبة؛ هي تلك الجوانب الروحية التي يستشعرها المسلمون حين يأتون إلى الأماكن المقدسة في الحرمين وما بينهما من مواقع كانت هي ميدان رحلات النبي والصحابة الكرام ولا زالت معروفة.

لقد حان الوقت أن نعيد الاعتبار للمواقع التاريخية فيما بين الحرمين، وأن نسهل الطرق إليها وإقامة المرافق العامة التي يحتاج السياح والزوار لها، وتنظيم الرحلات وفتح الطرق حتى لو عهد بذلك إلى القطاع الخاص ليتولى تسيير الرحلات وتسهيل المواصلات وتقديم الخدمات اللوجستية، وسينشط القطاع الخاص ويؤدي رسالته وواجبه نحو زوار الحرمين وسياح العالم الذين يأتون للتعرف على بلادنا من كل النواحي والوجوه.