طلال الحربي

طهران أنقرة موسكو

الاحد - 12 يناير 2020

Sun - 12 Jan 2020

علمتنا الأحداث دائما أن هنالك خيوطا خفية تربطها، لهذا فإن كل الأحداث الإقليمية والدولية وإن تباعدت الأسباب والنتائج فيها إلا أنها مرتبطة ببعضها. منذ بداية الأحداث في سوريا والعراق وما تلاها من واقع في اليمن وسياسة فرض الواقع في لبنان، ونحن نشهد تحركات متناسقة بين منظومة الدول الخارجة على الطبيعة والمنطقية، ولعل ما حدث في الخمس السنوات الأخيرة بدءا من الاتفاق النووي مع إيران بقيادة أوباما، إلى تصفية سليماني ولعبة الفتاشات (الصواريخ) على القاعدة الأمريكية في العراق، واعتراف طهران بإسقاط الطائرة الأوكرانية، كل هذه الأحداث بالتزامن مع الغباء الإردوغاني التركي في لعبة ليبيا تعلمنا أن هنالك خيوطا خفية تربطها.

لا يمكن أن نقول عما تفعله إيران إنه نفوذ توسعي في المنطقة، النفوذ يعني القدرة على التوسع دون مساعدة دول أقوى، حين نقول إن النفوذ الإيراني في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن مؤخرا، نعلم يقينا أنه ليس من سياسة إيرانية جذابة، وإنما من تسهيلات تحصل عليها من أمريكا أو روسيا بشكل محدد.

نعلم أن المنظومة الغربية ستعمل كل جهدها لمنع انتفاء لغة الصراع واستقرار الأوضاع، وبشكل أو بآخر تحكم شعوب هذه الدول بمقدراتها وقراراتها، ولهذا فإن الخيار الأمثل هو إدخال الدمية الإيرانية على الخط، سواء في العراق من خلال أمريكا أو في سوريا من خلال روسيا.

إيران تلعب ضمن مساحات تخريبية محددة لها مسبقا، ورغم الصفعة الكبيرة التي تلقتها طهران في اليمن نتيجة الموقف الحاسم للسعودية برفض أي بناء واقع مشابه للواقع اللبناني المتمثل بحزب الله، إلا أن إيران تعتقد أن ورقة اليمن الآن يمكن استغلالها مستقبلا في حال وجدت ريحا طيبة من الرياض للتصالح أو تهدئة الأوضاع، فإيران المصدرة للثورات اليوم أصبحت مستوردا لها، وطهران الملالي تعرف جيدا أن وضعها الحالي يجعلها مؤهلة جدا لمغامرة جديدة بتغير نظام الحكم لديها وصناعة ربيع إيراني مشابه للربيع العربي، لكن طهران تعلم أن الوضع في سوريا والعراق ما دام ملتهبا فإن قرار التغيير في طهران سيبقى مؤجلا.

في الخانة نفسها نجد لاعبا خاسرا يحاول أن يكسب ولو نصف جولة؛ إنه إردوغان، فالخسارات السياسية والاقتصادية تتوالى عليه، ولعل محاولته الدخول إلى المعمعة الليبية مكشوفة من حيث الخلاف المصري التركي، إلا أن ليبيا لم تكن بعيدة عن خيوط الوجود الإيراني المخطط له مسبقا، وأكرر وأقول ليس نفوذا وإنما تسهيلات لإيران تقدم لصناعة حالة في الشمال الأفريقي بعد فشل الصناعة في تونس والجزائر مع استقرار الوضع في مصر والسودان.

وعليه فإن إيران لا تملك القدرة على أي صناعات جديدة في ليبيا، وهنا كان إردوغان يقدم نفسه على أنه قادر على تحقيق الهدف نفسه وصناعة حالة غير مستقرة في ليبيا، والخيوط تتباعد وتقترب لكن تبقى موسكو في محور الحدث دائما.

من قال إن الحرب الباردة انتهت فهو مخطئ، ومن يظن أن ما يحدث الآن هو دفع باتجاه تصويب الأوضاع أيضا مخطئ، لا نتوقع أي تغيرات في سوريا ولا العراق ولا لبنان، مع إبقاء الحال كما هو في اليمن دون وجود اتفاق عالمي على قتل الفيروس الإيراني، لكن في ليبيا نرى أن هنالك دكانة لتجارة الأسلحة (لعبة تتقنها روسيا) على وشك أن تفتح إن لم تفتح فعليا، وهنا ومن الواقع في دكاكين سوريا والعراق ولبنان، فإن مصر والسودان وعرب أفريقيا شمالا كلهم عليهم أن يتدخلوا في الواقع الليبي وبكل قوة، وبرفع السلاح أن اقتضى الأمر، تركيا إردوغان في ليبيا جبهة هشة جدا، أي مفاجأة انتخابية في تركيا سترمي بإردوغان إلى غياهب النسيان، لكن الموقف العربي سيبقى وسيغلق بوابة الاستثمارات في الدكاكين.

نعم المجتمع الدولي كله يعلن أن إيران هي الولد المشاغب الخبيث، لكنه يريد أن يعاقب هذا الولد لا أن يصلح حاله، لست أؤمن كثيرا بنظرية المؤامرة، ولكننا نتأكد كل يوم من ثبوت نظرية أن لا شيء مستحيل ولا شيء مستبعد، قد يكون الحل الغربي في نهاية المطاف بقبول القنبلة النووية الإيرانية، مقابل وجود قنبلة نووية عربية (سعودية تحالفية)، دون نسيان إسرائيل ومفاعلها ديمونا، لأنه واضح جدا أن التفكير الغربي في الأمر النووي يتجه نحو أنه إن لم تستطع أن تمنع تملك دولة ما لقنبلة نووية، فالأفضل أن تمتلك كل دولة قنبلتها الخاصة، مع بقاء الأفضلية للدول ذات العمق الجغرافي في البقاء والاستمرار في حال لو تم استخدام هذه القنابل يوما ما (لعلها صفقة القرن الحقيقية).

@alharbit1