برجس حمود البرجس

الصحف الورقية والصراع من أجل البقاء

الثلاثاء - 07 يناير 2020

Tue - 07 Jan 2020

أكتب هذا المقال من مبدأ «تطوير الأعمال» والمشاركة بتوضيح عناصر التحول للصحف التي تعاني من ضعف الإيرادات وعوامل البقاء، وقد يكون هناك أمور كثيرة يتفق عليها كثيرون، إلا أن عناصر النجاح الأساسية لم تطرح، واستبدلت بالتركيز على التقليل من شأن المنافس الذي خطف «الكيكة»، وهذا لن يخدم الموقف.

إضافة إلى التحديات التي بدأت تواجهها مؤخرا، الصحف ستواجه تحديات جديدة أقوى من السابقة، ولذلك عليها التركيز على عوامل التنافس الحقيقية، وليس التقليل من شأن المنافس الذي سيضاعف من مزاياه قريبا.

في السابق، كانت الإعلانات هي مصدر الإيراد الأكبر للصحف، وغالبنا يعلم أنها لم تكن فاعلة في السنوات الأخيرة مع ظهور السوشال ميديا، ولم تجد الصحف قراءة مستقبلها مع التغيرات العصرية، ولم تقرأ ما حدث للصحف العالمية، وكان العنصر المطمئن لها هو أن الصحف تتحول تدريجيا من ورقية إلى الكترونية. في تلك الفترات نسيت الصحف الورقية أنفسها وتضخمت بالمصروفات لدرجة صعب التحكم بها وصعب خفضها.

مع برامج التحول والتطوير أدرك كثيرون أن شركات الوساطة للإعلانات كانت تنشر لسنوات في قنوات لم تكن مقروءة بشكل فاعل فتوقف المعلنون على هذه القنوات، خاصة الصحف الورقية، سواء كان من جهات حكومية أو تجارية، فجميعنا يعلم أن بعض الإعلانات التجارية على الصحف الورقية ليست مجدية وليس لها مردود، ولا الإعلانات الحكومية مثل إيقاف خدمات شركات وتغيير نوع الختم لشركة وحتى تغيير المدير العام للشركة، هذه إعلانات يراد بها إخلاء مسؤولية مع قناعات تامة بأنها لا تصل للمستهدف ولكن تستخدم للحجة القانونية، هذا غالبه توقف والبقية بالطريق للوقوف.

في السنوات القليلة الماضية أصبحت فاعلية مشاهير السوشال ميديا أقوى من الصحف بكثير في الحصول على درجة كبيرة من ميزانيات الإعلانات من السوق، بينما بقي التلفزيون وإعلانات الطرق في صراع أقل والتأثر محدود، ولكن المستقبل سيكون أصعب عليهما إن لم يتطورا ويحسنا من نماذج أعمالهما.

الصحف ما زالت تتغنى بقوتها في صناعة المحتوى كثيرا، وهذا ربما لا يختلف عليه كثيرون لحد ما، ولكن دون الدخول به والجدل، دعونا نتوقف قبله ونقتنع أن الإعلانات التي تدر دخلا وفيرا لا تتطلب كثيرا من الإبداع في صناعة المحتوى، ولا لقوة الإنتاج بالنسبة لإعلانات التلفزيون. جزء كبير من ميزانيات الإعلانات لا تتطلب إنتاجا ضخما ولا محتوى قويا.

يعتقد كثيرون أن الحصة الأكبر ذهبت لمشاهير السوشال ميديا بسبب طرحهم وإنتاجهم ومحتواهم، وهذا ليس صحيحا، والمشاهير يشهدون بذلك. الحقيقة أن العامل الأكبر هو «قوة النشر»، فصناعة المحتوى وقوة الإنتاج والتحول إلى «الكتروني» ليست بأقوى ولا أهم من «قوة النشر» فيما يخص الإعلانات التي تدر دخلا وفيرا، وليس هناك أدنى مقارنة.

دخل مؤخرا عنصر جديد صعّب من المعادلة، حيث دخلت شركات صناعة محتوى بجودة من مقبولة إلى عالية، وهذه الشركات تتميز بتكاليفها الرخيصة مقارنة بالصحف، حيث إن الصحف تحمل على عاتقها مصاريف كثيرة وتأملات لأرباح وفيرة جدا، وهذا مما يزيد الخطر على مستقبل بقاء الصحف باستثناء من يؤمن بعض الدخل المؤقت.

وهناك تحد آخر لم تكتشفه الصحف بعد، وهو تحالف بين مشاهير السوشال ميديا (وهم قنوات النشر الأقوى) وبين شركات صناعة المحتوى والإنتاج الخاصة ذات التكلفة المنخفضة، فمتى ما تحالفا سيكتسحان السوق بشكل شبه كامل. فالمعلن يصنع المحتوى والإنتاج للفيديو والمنتجات الإعلامية، والمشاهير تنشر، وبذلك تكتمل عناصر الجاذبية للمعلن الذي أصبح ذكيا.

بقاء الصحف كما هي عليه لن يجدي، ربما بعض الإصلاحات تطيل بالعمر قليلا ولكن الأهم هو اكتمال العناصر، وهي: أولا توفير صناعة المحتوى المطلوب. ثانيا قوة في النشر والتأثير. ثالثا التميز بالملتيميديا والتحول الالكتروني. رابعا التميز بعناصر المنافسة، حيث إن السوق سيزداد بالمنافسين أصحاب التكلفة المنخفضة والتي تسهل عليهم التميز حتى بالمحتوى والإنتاج.

الصحف بحاجة إلى تشخيص الوضع الحقيقي وليس المُعتَقَد. كثيرون سيسألون: هل ماتت الصحف الورقية وحتى الالكترونية ذات النشر الضعيف؟ الجواب: لا وألف لا، ولكن هناك حاجة «للفكر» لبناء عناصر التكامل لإنعاش الصحف وترميم القنوات التلفزيونية قبل فوات الأوان، والمساحة لن تكون كافية للجميع، والبقاء للأفضل. أما التقليل من شأن المنافس فليس إلا تعطيلا للذات.

Barjasbh@