شاهر النهاري

بوارق الطريق الظلامي السليماني

الاثنين - 06 يناير 2020

Mon - 06 Jan 2020

خلال العقدين الماضيين شهدنا قصة قاسم سليماني، ذلك العسكري الطموح، المدعوم من قبل دولة الثورة الإيرانية، بجميع احتياجاته، لصنع أذرع إيرانية متغلغلة في أربع عواصم عربية في لبنان، والعراق، وسوريا، ثم اليمن، وبنوايا هدم وتخريب ودماء لا تقف عند حد.

وقد شهد العالم أجمعه كيف أنه استطاع العزف على نوتة المذهب والمعتقد، والتهيئة لعودة المهدي المنتظر لأوطان زرعها بالحُلل السوداء.

لقد هيمن على جميع من وقعوا تحت يديه، ليس فقط من شباب الميليشيات المسلحة المتحمس، ولكن من العقول العربية المشوهة، والقيادات السياسية والعسكرية الانتهازية المنهزمة، التي وجدت معه القدرة على الفساد، وحيازة موارد الشعب الإيراني، هدايا ينالونها على قدر غيبوبتهم، وتحفزهم لطلب الدماء.

قاسم سليماني لم يكن مجرد رسول للمرشد الأعلى، ولكنه تقمص شخصية المهيمن، وصاحب القرار، طويل اليد صانع الخطط زارع الشكوك، ومحول المسارات الطبيعية إلى منعرجات شرور، وتحويل مسارات الفكر الإنساني والنظم الدولية إلى ملاعب خيانات يستطيع من خلالها تحطيم كل القيم الإنسانية، وتعديل القوانين وتمييعها، واستغلال ثغراتها لتنفيذ أهدافه، مهما كانت شريرة دموية مخادعة، تنسف جميع القوانين والمواثيق الإنسانية والدولية.

قاسم سليماني تفوق على المستوى النظري والسلطوي والعملي والمادي، لتصبح صورته أمام أتباعه مثالية، حينما يشعرهم بأنه جزء منهم، لا يرتقي فوقهم، ولكنه عند العمل شديد النظام والرقابة والحساب والعقاب.

قاسم سليماني رحل بالأمس دون أن يدري، ودون أن يتمكن من إصدار أنه ألم وتبيان ما في مخيلته، وما في شكوكه ومخاوفه، ومدى توقه لاستراحة مقاتل.

وبذلك كثرت الظنون حوله، وتناثرت النظريات، فالبعض صوروه ضحية للرئيس الأمريكي ترمب أثبت فيها قوته وتواجده ومصداقيته، وأنه لا يعبث بقيمة أمريكا العظمى.

والبعض تخيل أن سليماني قد بلغ بمكانته مناطق الخوف بالنسبة للقيادات الإيرانية التي خشيت أن يتمكن من تحويل إيران لمنطقة ألعاب يجيد تحريكها، كما فعل في الأربع عواصم عربية، فتمت المساعدة على التخلص منه!

أنا لست مع تفكير المؤامرة، وأظن أن نهج سليماني ليس إلا صورة واضحة مكررة لما فعله فرعون، حينما لم يجد من يصده عن الفرعنة.

وأمثال سليماني كثر، ممن ينتهجون الشرور ويغتصبون الإنسانية، ويسعون في الأرض فسادا، بكل قواهم النفسية والعقلية والعملية، وبما يمتلكون من مزايا، وما يجري تزويدهم به من مشاعر جماعات عاطفية مسيرة تتوق لمذاق الدماء.

كثيرون من هذه النوعية المتسلطة ينسون أنفسهم، ويستكبرون ويهرولون عميا في دروب الشرور، يتسلقون، ويفجرون الحواجز، ليبلغوا المدى الأسود، وكثير منهم رحلوا بنفس طريقة نثر أشلاء سليماني، فلو نظرنا لأسامة بن لادن وابنه الغر حمزة، ولو تذكرنا أبومصعب الزرقاوي وعماد مغنية، وأبوبكر البغدادي، وأبومهدي المهندس، لوجدنا النفسيات المرضية الدموية نفسها، المنفصلة عن الواقع، والتي لا يعود يملأ عيونها غير قصف ناري، يجعل أشلاءها تتناثر بسوء الخواتم.

كما لا زلنا نرى كثيرا منهم يعاندون دورهم المحتوم، ويختبئون في الجحور، فحسن نصر الله وعبدالملك الحوثي وكثيرون لن تكفي المساحة لذكرهم، لا بد أن يتذكروا أحوالهم، ومصائرهم البشعة مهما أبدعوا في نفخ الريش، تحت مسميات رسمية وقيادات دول، ومنظمات إرهابية، كونهم يسيرون على هدي بوارق الطريق الظلامي السليماني.

Shaheralnahari@