التفكير داخل الصندقة
الجمعة - 03 يناير 2020
Fri - 03 Jan 2020
علي الموسى الكاتب المبتعد عن مضامير الكتابة ودروبها ودهاليزها، كان علامة فارقة في حضوره الكتابي، وكان بمرحلتيه حرف جر وضميرا متصلا شاهدا ومؤرخا لكثير من المراحل الجدلية الصاخبة السابقة وما سبقها. له إيقاع كتابي مختلف، فمرة يكون في أعلى السلم الكتابي حدة، ومرة تراه يمارس (القرار الكتابي)، وفي كل درجة تراه وتعرفه، ولا تنكره. أجمل ما في الموسى - الكاتب - أنك بقدر ما تختلف معه بقدر ما تجد كثيرا من المساحات الكبيرة للاتفاق والتماهي وربما الانسجام معه.
في تغريدة جميلة غريبة له يقول: كل حياتي كانت اجتهادا للتفكير.. خارج الصندوق. اكتشفت اليوم أن أسعد الناس هو من ينام داخل.. صندقة. انتهى كلامه.
فكرة التفكير خارج الصندوق من أكثر المصطلحات والمفاهيم رواجا في هذا العصر، والتفكير خارج الصندوق يعني التفكير بطريقة مختلفة للوصول إلى نتائج أكثر اختلافا، وبين الطريقة والنتيجة تكمن حكاية الصندوق، فما هو هذا الصندوق؟
البعض يراه أسود مثل صناديق الطائرات التي تسجل كل شيء يحصل على متن الطائرة، إلا لحظات ما بعد استغاثتها أو انفجارها وتعطلها الذي جعلها في حكم المفقودة أو المحروقة أو المنكوبة. والبعض يرى فيه الدنيا، ليكون صندوقها الذي يمتع الشباب والكبار ويبهر الأطفال، والبعض يراه استثمارا يضع فيه أمواله لتنمو وتتكاثر، البعض يكسب بمقاييس السوق وقوانينه، والبعض يخسر بالقوانين والمقاييس نفسها.
بعض الصناديق الانتماء لها نهاية بداية وبداية نهاية، صندوق معاشات التقاعد مثال ذلك، ينتمي إليه الموظف بعد أن يحكم عليه بالخروج من دائرة الأهمية، ليصبح مجرد رقم بالسالب وعبئا على شركات التأمين والمؤسسات الصحية، عبئا على منزله وأولاده، عبئا على الحياة.
في بعض المؤسسات الخدمية هناك صندوق في مكان قصي، مرتفع على أصحاب القامات المتوسطة والقصيرة مثلي، لا يصله إلا أصحاب الأيادي الطويلة، يعبأ بالاقتراحات والشكاوى، يأتي سعادة المدير ليفتحه وقد يقرأ ما فيه من ورق وقد لا يقرأ. عجيب هذا الصندوق وعجيبة مفاهيمه!
بعض الأمم الراسخة في الرأي - كما يقال - تحتكم لرأي هذا الصندوق، فتقدسه وتجله، حتى علي صالح قبل أن ينقلب على الشرعية كان ينادي خصومه بالاحتكام للصندوق، الغريب أن كل فترات حكمه الطويلة كانت نتاج رأي ذلك الصندوق اللعين!
وفي انتخاباتنا البلدية حضر الصندوق قبيلة ومحسوبية، وهياطا، فكان نتاجه تكايا بلديات، واستراحات ومكافآت وتوصيات تشغل حيزا في الفراغ ولا وزن لها ولا ثقل في حراكنا التنموي.
مراحل تطور الإنسان من صندوق إلى صندوق، تفكيره داخل صندوق وقد يكون خارجه، ماله في صندوق، ورأيه في صندوق، وسكنه مرتهن بصندوق، وتنميته أسيرة لتمويل صندوق. للنقد صندوق دولي ومراكز وهيئات وقنوات، وفي عالمنا العربي النقد تجريح، والمرتزقة نقاد لهم رأي ورأي آخر ومنابر وقنوات، وللرسائل صندوق وللموت صندوق وللأسرار صندوق.
أما الصندقة فهي المكان الأحدث والإصدار المطور لمفهوم الصندوق الذي يحتوي ذلك الإنسان المستقل من كل تبعية تجعله أسيرا لإغراء مادي أو سلطة مجتمعية، أو ارتباط عملي يصادر حريته وقراره وسعادته وراحة باله.
@alaseery2
في تغريدة جميلة غريبة له يقول: كل حياتي كانت اجتهادا للتفكير.. خارج الصندوق. اكتشفت اليوم أن أسعد الناس هو من ينام داخل.. صندقة. انتهى كلامه.
فكرة التفكير خارج الصندوق من أكثر المصطلحات والمفاهيم رواجا في هذا العصر، والتفكير خارج الصندوق يعني التفكير بطريقة مختلفة للوصول إلى نتائج أكثر اختلافا، وبين الطريقة والنتيجة تكمن حكاية الصندوق، فما هو هذا الصندوق؟
البعض يراه أسود مثل صناديق الطائرات التي تسجل كل شيء يحصل على متن الطائرة، إلا لحظات ما بعد استغاثتها أو انفجارها وتعطلها الذي جعلها في حكم المفقودة أو المحروقة أو المنكوبة. والبعض يرى فيه الدنيا، ليكون صندوقها الذي يمتع الشباب والكبار ويبهر الأطفال، والبعض يراه استثمارا يضع فيه أمواله لتنمو وتتكاثر، البعض يكسب بمقاييس السوق وقوانينه، والبعض يخسر بالقوانين والمقاييس نفسها.
بعض الصناديق الانتماء لها نهاية بداية وبداية نهاية، صندوق معاشات التقاعد مثال ذلك، ينتمي إليه الموظف بعد أن يحكم عليه بالخروج من دائرة الأهمية، ليصبح مجرد رقم بالسالب وعبئا على شركات التأمين والمؤسسات الصحية، عبئا على منزله وأولاده، عبئا على الحياة.
في بعض المؤسسات الخدمية هناك صندوق في مكان قصي، مرتفع على أصحاب القامات المتوسطة والقصيرة مثلي، لا يصله إلا أصحاب الأيادي الطويلة، يعبأ بالاقتراحات والشكاوى، يأتي سعادة المدير ليفتحه وقد يقرأ ما فيه من ورق وقد لا يقرأ. عجيب هذا الصندوق وعجيبة مفاهيمه!
بعض الأمم الراسخة في الرأي - كما يقال - تحتكم لرأي هذا الصندوق، فتقدسه وتجله، حتى علي صالح قبل أن ينقلب على الشرعية كان ينادي خصومه بالاحتكام للصندوق، الغريب أن كل فترات حكمه الطويلة كانت نتاج رأي ذلك الصندوق اللعين!
وفي انتخاباتنا البلدية حضر الصندوق قبيلة ومحسوبية، وهياطا، فكان نتاجه تكايا بلديات، واستراحات ومكافآت وتوصيات تشغل حيزا في الفراغ ولا وزن لها ولا ثقل في حراكنا التنموي.
مراحل تطور الإنسان من صندوق إلى صندوق، تفكيره داخل صندوق وقد يكون خارجه، ماله في صندوق، ورأيه في صندوق، وسكنه مرتهن بصندوق، وتنميته أسيرة لتمويل صندوق. للنقد صندوق دولي ومراكز وهيئات وقنوات، وفي عالمنا العربي النقد تجريح، والمرتزقة نقاد لهم رأي ورأي آخر ومنابر وقنوات، وللرسائل صندوق وللموت صندوق وللأسرار صندوق.
أما الصندقة فهي المكان الأحدث والإصدار المطور لمفهوم الصندوق الذي يحتوي ذلك الإنسان المستقل من كل تبعية تجعله أسيرا لإغراء مادي أو سلطة مجتمعية، أو ارتباط عملي يصادر حريته وقراره وسعادته وراحة باله.
@alaseery2