عبدالله المزهر

أنا وأشيائي والعمر المسكوب!

الأربعاء - 01 يناير 2020

Wed - 01 Jan 2020

كنت قد تحدثت أمس عن السنة الفائتة ـ التي هي يوم أمس ـ ولذلك فإنه من العدل أن أتحدث اليوم عن السنة الجديدة جدا ـ التي هي اليوم ـ وقد لاحظت مبدئيا أن الأجواء في هذا العام أبرد قليلا من العام المنصرم، ولكني لم أعرف بعد بقية الاختلافات، فأنا لم أغادر مكاني منذ دخول رأس العام الجديد.

ولعله من الأفضل أن أتحدث عن أمنياتي في العام الميلادي الجديد، بدلا من البكاء على كمية اللبن التي سكبتها في العام المنصرم. وبالمناسبة فإني لا أفهم سر حصر المثل للبكاء على اللبن المسكوب فقط، فنحن نبكي على أشياء كثيرة نسكبها وعلى أشياء كثيرة تضيع دون أن نشعر، ولذلك لعل أولى أمنياتي أن يتغير هذا المثل ويصبح في هذا العام «لا تبك على العمر المسروق»، أو أي شيء آخر يتم الاتفاق عليه بين سكان الكوكب الذين اقترب تعدادهم من الثمانية مليارات إنسان، يبكون لأسباب كثيرة لا أظن أن اللبن المسكوب من أهمها أو حتى من ضمنها.

الأمنية التي أتمناها كل عام، وأمنياتي تعطي مفعولا عكسيا، هي أن يقل منسوب «البجاحة» وسعة الوجه من تصريحات السياسيين، لكم أن تتخيلوا أيها السادة والسيدات أن مسؤولا عراقيا في الحشد الشعبي يتحدث عن انتهاك أمريكا للسيادة العراقية.

وللأجيال القادمة التي ستقرأ مقالي هذا بعد بضع سنين، فإن هذه ليست طرفة عابرة قالها هذا السياسي المرح، أما الأجيال التي ستقرأ مقالي بعد عشرات السنين فعله من المناسب أن أخبرهم بأن أمريكا في العراق منذ 2003، والسياسي الذي يقول إنها انتهكت السيادة دخل بغداد على ظهر دبابة أمريكية، والدبابة بالمناسبة هي هيكل يتحرك حاملا السلاح والغزاة، ربما رأيتم بعض صورها في المتحف.

وبالنسبة للأجيال التي ستقرأ مقالي بعد مئات السنين فإني أعتذر لهم عن شرح معنى كلمة «سيادة» فالأمر صعب بعض الشيء.

وأتمنى أيضا في هذا العام الجديد أن يقتنع الثمانية مليارات إنسان ـ أخص منهم عشرين مليونا ـ بأن زاوية النظر إلى الحقيقة ليست واحدة، وأن اختلاف البشر آية عظيمة من آيات الله سبحانه وتعالى.

وعلى أي حال..

أنا أناني بما يكفي لأن أنحاز لأمنياتي الصغيرة، أتمنى أن ينتهي هذا العام وأبنائي ووالداي وزوجتي وكل أحبتي بخير، وألا تتسرب مياه الأمطار إلى منزلي، ألا أتعرض لحوادث مرورية، ألا يكون ساهر من بين من يلتقط لي صورا هذا العام، أن يفوز الاتفاق في ثلاث مباريات متتالية، ألا أفقد مفاتيحي، ألا أكون مضطرا لإرسال رقم حسابي البنكي لأحد، وألا يعطيني أحد حسابه البنكي ـ وهذا أهم، أن أتجاوز مراحل جديدة في الألعاب التي ألعبها، أن أضحك من كل قلبي مرة واحدة على الأقل في كل أسبوع.

الأحلام الكبيرة لا تخصني كثيرا، لكني سأكون سعيدا إن تحققت، ولكنها سعادة أقل بكل تأكيد من سعادتي بأشيائي الصغيرة.

agrni@