رؤى عبدالله الشريف

هجرة العقول

الأربعاء - 01 يناير 2020

Wed - 01 Jan 2020

هجرة العقول نقل مباشر لأحد أهم عناصر الإنتاج، فهل نظام الجامعات بحلته الجديدة سيحد من هجرة عقول أبنائنا الطلاب وأعضاء هيئة التدريس؟ فيتوقف النزيف بخلق بيئة جيدة وفرص أكبر للدارسين والاستفادة من خبرات الآخرين وتوسيع التعاون بين المؤسسات العلمية، وتحسين الحوار والتفاهم بين مجتمعنا والمجتمعات الأخرى.

قبل عشر سنوات «لا نستطيع فتح فرع لجامعتنا في السعودية لأن مناخ الحرية الأكاديمية لديكم غير متوفر بالقدر الملائم» رئيس الجامعة الأمريكية في القاهرة. كانت هذه إجابة مفحمة لتساؤل عن إمكانية افتتاح فرع للجامعة في بلادنا. لا أنكر وقعها المؤلم مع تحفظ وزارة التعليم عن أسباب عزوف الجامعات الأجنبية آنذاك.

كان هناك تخوف من عقبات هذا القرار، أولا التأثير السلبي على تطور التعليم العالي الحكومي، وتقسيم المجتمع بين أبناء الذوات ممن يدخل مؤسسات التعليم العالي الأجنبية، ومن يدخل الجامعات الحكومية والأهلية. وأن هذا سيؤدي لتعاون بين الجامعات الأجنبية والشركات لاستقطاب مخرجاتها التعليمية، بينما تنضم مخرجات جامعاتنا الحكومية والأهلية إلى قافلة البطالة، وكل الخوف من أن تنتج عنها تبعية تعليمية ضمن ما يسمى بالاستعمار الحديث، حيث توجد مؤسسات أجنبية على التراب الوطني تقدم مناهج وخططا دراسية لا تلائم المجتمع، لأنها ستكون مرتبطة إداريا وماليا وعلميا وغيرها بدولها الأجنبية، ولن تقبل أن يتدخل أحد فيها، خاصة أن الجامعات الأجنبية تعمل وفق مسلمات ثلاث: الاستقلالية، والحرية الأكاديمية، والمسؤولية، ولن تضحي بسمعتها وتاريخها من أجل البلدان التي تعمل فيها، وليس من حق الدولة التي تفتح فيها الفروع التدخل في محتواها الدراسي وأساتذتها وسياساتها التعليمية.

أما الآن فالنظام الجديد للجامعات يسمح بافتتاح فروع في المملكة للجامعات العالمية، وفق ضوابط ستقرها الدولة، مما سيرفع المنافسة ليس بين الجامعات الأهلية المحلية فحسب، ولكن ستمتد المنافسة أيضا حتى إلى الجامعات الحكومية، كما لاحظنا أنه خُصص فصل كامل يعنى بالتعليم العالي الأهلي والأجنبي، فقد تم الاجتماع مع مسؤولين من هيئة الاستثمار لمواءمة اللائحة لنظام الاستثمار الأجنبي قبل اعتمادها، ومن تحليلنا نرى أن الهدف منه إدخال هذا النوع من التعليم ضمن منظومة التعليم العالي في المملكة بحكم أن التعليم العالي الأهلي والأجنبي يعد رافدا مهما من روافد التعليم العالي.

هناك بصيص أمل لاختلاف العوامل السياسية والتعليمية والاقتصادية والثقافية إضافة للاجتماعية - تقبل ووعي المجتمع، لكن نتساءل: ما هي الضوابط؟ منها مثلا أن تكون الجامعات من ضمن أفضل 100 جامعة عالمية، وأن يخضع أعضاء هيئة التدريس فيها لمعايير القبول والتدريس في الجامعة الأم، وتدرس مناهجها نفسها في الجامعة الأم مع إضافة مواد عن الثقافة الإسلامية واللغة العربية، وتخضع أنظمتها لعادات وتقاليد الدين الإسلامي، ولا تنافي الأنظمة المعمول بها في السعودية، ويجري فصل أقسام الطلاب عن الطالبات.

نتفق أنه من الضروري وضع الضوابط، مع الأخذ بعين الاعتبار ألا تفرغ تلك الجامعات من هويتها فتصبح مستنسخة من الجامعات السعودية والأهلية، وبذلك نفقد خاصية التنوع والاختلاف وتصبح الإضافة التي يمكن أن تضيفها تلك الجامعات إضافة تتعلق بالكم وليس بالنوع.

خطوة هامة نحو تطوير التعليم الجامعي من شأنها أن تعد قفزة نوعية، فمن ناحية اقتصادية تعد استثمارا وتمويلا مهما يخفف العبء عن كاهل الجامعات الحكومية، ويرحم الذين ألحقوا أبناءهم وبناتهم بالجامعات الأهلية من ارتفاع رسوم الدراسة فيها، وتمنح التعليم العالي لدينا تعددا وتنوعا بتنوع ثقافات البلدان التي تنتمي إليها تلك الجامعات، إضافة لذلك تحقق قدرا من التواصل مع العالم الخارجي للاستفادة من طرائقه في التعليم، وهي خطوة تخفف تكلفة الابتعاث إلى الخارج، سواء تكفلت به الدولة أو الأسر التي تبتعث أبناءها على حسابها، وهي خطوة تساعد في تقليص برامج الابتعاث، والحد من هجرة عقول أبنائنا وبناتنا للخارج، فإدارة التعليم الأهلي في الوزارة تلقت عشرات الطلبات من جامعات عديدة أجنبية وعربية، وتعقد وزارة التعليم اجتماعات بين مستشاريها ومستشاري الجامعات السعودية لدراسة هذه الطلبات.

أصبحت لدينا مساحة عريضة من الانفتاح على مختلف الآراء والأفكار والثقافات، فهل ستتكرر الإجابة نفسها اليوم من رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أم سنجد طلب افتتاح جامعته ضمن الطلبات؟

@soonaa2012