السفه ليس أسلوب حياة!

قرأت فيما يقرأ الناس أن فئة من تذاكر حفل للفنان الجميل محمد عبده بلغت قيمتها مئة وسبعة وخمسين ألف ريال سعودي للتذكرة الواحدة. وهو مبلغ كبير إلى درجة أنه أكثر من دخلي السنوي (صورة مع التحية لإدارة هذه الصحيفة الغراء)، والحقيقة أني لا أستطيع نفي فكرة الحسد التي قد أشعر بها تجاه من يدفع مبلغا مثل هذا ليستمع خلال ساعة أو أقل إلى مطرب سيعيد أغنيات سمعها من قبل آلاف المرات. وأنا هنا لا أتحدث عن الجهة التي حددت قيمة التذكرة، فمن حقها أن تعرض سعر التذكرة بمليون ريال أو حتى بعشرة ملايين بما أن هناك من سيشتري. لكني أتحدث عن الشخص الذي ذهب وهو بكامل قواه العقلية ـ كما يفترض ـ ليدفع مبلغا كهذا في سلعة كهذه.

أعلم وأكاد أسمع ذلك الصوت الذي يقول: بما أنها أمواله فإن من حقه أن يصرفها كيفما يشاء، وهنا يجب أن أوضح أمرا مهما، وهو أني لم أمنعه أن يفعل، ولكني أقول إن هذا التصرف يسمى «سفها»، وأنا فقط أحب أن أسمي الأشياء بمسمياتها، ولا أفرض على أحد أن يفعل أو يترك.

والغريب أن كثيرا ممن يرى في هذا التصرف شيئا عاديا مستساغا هو بنفسه وشحمه ولحمه وعقله ولسانه ويده ينكر على آخرين أن يشتروا حيوانا بملايين الريالات أو أن يمارسوا «هياطا» من نوع آخر أقل نخبوية، وهؤلاء لا يرفضون الهياط والسفه كمبدأ أو أسلوب حياة، ولكنهم يرفضونه من فئة ويقبلونه من أخرى، وهذه طريقة في التفكير لا أستسيغها لأني لا زلت ـ حتى هذه اللحظة على الأقل ـ أعتقد أن السفيه سفيه، سواء صرف أمواله على عشاء في مطعم فاخر أو حفلة غنائية. أو اشترى حمارا بمليار ريال. أو وضع دهن العود في محرك سيارته. كلهم يجب أن يصرفوا ما تبقى من أموالهم على العلاج والاستشفاء النفسي.

إضافة إلى أني أظن ـ والله أعلم ـ أن شخصا تعب في جمع أمواله حتى وإن كانت مليارات ممليرة لن يصرفها بهذه الطريقة، المهايطيون في الغالب الأعم هم فئة من الأثرياء لم تتعب كثيرا ـ ولا قليلا ـ في جمع تلك الأموال، ولذلك لا يجدون صعوبة في تبذيرها والإسراف في إنفاقها.

وعلى أي حال..

من الطبيعي أن يكره البخلاء أمثالي مثل هذه العادة، ولكن الأمر ليس له علاقة بالبخل، فهذا الذي يدفع أموالا طائلة على توافه الأمور تجده ـ في الغالب ـ من أشد الناس «نهرا للسائل»، ويستصعب أن يدفع عشر عشر ذلك المبلغ زيادة في أجرة عامل أو صدقة لمسكين أو تفريج كربة من تقطعت به السبل.

agrni@