ريم منصور

«قَضّاب القش» ورؤية 2030

الاثنين - 30 ديسمبر 2019

Mon - 30 Dec 2019

«قَضَّاب القش»، سمعت هذا المصطلح للمرة الأولى عام 1435هـ من أحد أساتذتي الأفاضل في الجامعة في محاضرة لمادة الصناعة والمجتمع في مرحلة الماجستير، وقد أثار هذا المسمى فضول جميع الطالبات عندما سمعنه في ذلك الوقت وأخذن يتساءلن عن معناه.

عندما سألت إحداهن المعلم الفاضل عن هذا المسمى، قال: إنه يعني ذاك الرجل الذي ينقل القش من مكان إلى آخر فوق ظهر حماره ليبيعه. ثم يسوّيه كي لا يسقط عن ظهر الحمار بين فينة وأخرى، فيعدله عندما يميل مرة إلى اليمين وأخرى إلى الشمال كي لا يسقط، ويظل على الشكل الذي وضعه عليه.

ذكر المعلم هذا المثال أو المصطلح كناية عن الروتينية في أداء العمل، ويعني به أن صاحب القش كان يقضبه - يمسكه بملء كفيه - ولم يفكر هذا الرجل الفقير الذي يبيع القش يوما في ابتكار طريقة مختلفة لكي يحافظ على القش من السقوط أو يطور عمله من بيع القش لعمل آخر أفضل لما وجد في بيع القش من معاناة!

جاء ذكر هذا المثال في سياق نقاش عن الموظفين وأنواعهم وتطوير العمل، وقد كان قضاب القش آنذاك يوجد في كل دائرة حكومية، بل يوجد أكثر من موظف كلهم يبيعون القش ويقضبونه، وكثير منهم مديرون أو رؤساء أقسام، وقد كانت هذه الفئة تحارب أي موظف جاد في عمله أو يفكر في تطوير مكان العمل أو أدوات تنفيذه، بل إنهم يريدون الحفاظ على كل شيء في مكان العمل كما هو تماما، بعيدا عن التغيير والتطوير أو حتى التفكير.

وقد نجد بعض المجتهدين منهم يحاولون جمع كل فكرة جديدة من الموظفين ويوهمونهم أنهم قائمون على إيصال هذه الأفكار الجديدة للمسؤولين، كي تأخذ حقها من التنفيذ، ثم يضعونها في درج المكتب، ويوهمون الموظفين بأنهم أوصلوها ولم يجر عمل أي شيء من قبل المسؤول.

وبعضهم بهذا الفعل ينتحل شخصية قضاب القش بفعلهم هذا، فتارة يمينا ينالون رضا الموظف بإيهامه بأهمية أفكاره، وتارة يسارا ينالون رضا أنفسهم بمنع إيصال هذه الأفكار، وقد يدفعهم لهذا العمل عدد من الأسباب التي كانت أحيانا تتردد على مسامع الموظفين من قبل رؤسائهم، مثل: لا تفتح علينا باب، لا تحطنا تحت المجهر، الوزارة تراقب كل من يحاول الاجتهاد وتشدد عليه.

وفي حقيقة الأمر أن المدير أو الرئيس ليست لديه القناعة الكافية التي تجعله يقدم أحد موظفيه عليه أو يميزه ويذكر عند المسؤولين أن لديه أفكارا تطويرية جديدة، ومن الممكن أن يكون السبب خوفا على زوال سلطته أو أن يرتقي الموظف الذي تحت إدارته ليصبح هو المدير.

وهناك عدد من الأسباب الأخرى الذاتية والموضوعية التي تدفع المدير إلى أن يصبح قضّاب قش، ولا يفكر أن يظهر تميز أي من موظفيه.

والآن بعد أن بلغ عدد المشتغلين السعوديين أكثر من 3,100,810 في الربع الثالث فقط من العام الحالي 2019، حيث ارتفع معدل مشاركة القوى العاملة من 29 % في الربع الثاني إلى 31.4 % في الربع الثالث، وهو أعلى مستوى له منذ الربع الأول لعام 2017 بحسب هيئة الإحصاء، وبعد وجود المعايير الحقيقية للتميز في العمل، وبعد سن القوانين لاختيار الأفضلية والتميز بين الموظفين، والتي تحدد العلاوة السنوية ومقدارها وتعطي المعايير العملية للتفاضل والتميز بين الموظفين، هل ما زال قضّاب القش موجودا بيننا؟ وهل توجد إدارة تحت رئاسة قضاب القش؟ إم إن قضاب القش أصبح يفكر خارج الصندوق ويسعى لتحقيق رؤية 2030 مع الجميع ويفكر في أن يهجر القش لبضاعة أخرى أو يستبدل نقله من الحمار إلى الشاحنة؟

ليس لي نهاية إلا أن أقول: شكرا للأمير الشاب محمد بن سلمان، فقد سقط القش ليخبر صاحبه أنه لم يعد يحتمل التعديل، وأنه بحاجة لأدوات جديدة لإيصاله.

reem05031@