شاهر النهاري

حوار نرجسي متزحلق

الاثنين - 30 ديسمبر 2019

Mon - 30 Dec 2019

على سطح قلب المطحنة الساخن، تدور حبات البن في دوائر عشوائية مختلطة، متعالية، منخفضة، تجعل الحركة العلوية غير دالة على تحديد من يُطحن مزاجه قبل سواه.

وفي المجتمع السعودي تستطيع معرفة توجه حركة طحن الثقافة والأصالة والفكر والروح من خلال حديث المجتمعات، والتي نشهد فيها حوارات دائرية تحتوي الحرارة وبعض النرجسية، والغضب، والحدة.

مجلس يحتوي على تنوع طيفي وظيفي لمن يتخاطرون بمحبة وحرص على الأحوال من حولهم، ويبدأ الحوار بسيطا عقلانيا بعض الشيء، مزودا ببعض الكلمات المثيرة للغبار أو الضحك، ثم لا تلبث النرجسية المنزهة للذات بالاشتعال، بشكل ينفث سخونة وغضبا مكبوتا، ورؤية للحياة بمنظار النكران، أو التوجس من طحن منذر.

كل فرد منهم يحكم على حياة الجميع، من وجهة نظره الخاصة، ومما يراه من ثقافته وبيته ومكان عمله، فالطبيب يعتقد أن التعليم سيئ بدليل مخرجات التعليم في أبنائه، والمدرس يعيب على الطبيب حالة أقسام الطوارئ في المستشفيات، وتردي الخدمات الصحية، وتوجه المفهوم الطبي للماديات.

الاقتصادي ينظر عن جودة الأسواق، وعندما يخفق، يتوجه باللوم على الجهات الرقابية، والتي تقف في بعض الأماكن عاجزة عن ضبط الفساد، والإداري يتهم الإعلام، والإعلامي يعيب مواقع التواصل، والمفكر يرى أن البهرجة وحب الظهور أضرا بالجميع، ويدين أصحابها بمحاولة تغطية فشلهم البين، وعدم مواجهة الحقيقة، بمجرد احتفالات مصورة، وتلميع كلمات يجري تغريدها، ومؤتمرات يروج لها على مواقع التواصل علها تجهر العين باللمعة، مع أن الجوف يستمر كما هو أو أنه يتردى، وأن الأصالة تهمل، والخدمات تتقلص، والأعمال إما أنها ثابتة على نفس القدر، أو متردية فعلا، مهما حاولوا تغطية سوءاتها، وفي المقابل تفشل في إيجاد الحلول الجذرية، وإعادة البناء الأصيل، وبلوغ العالمية لبا وليس شكلا، وعلى أسس علمية وعملية وإدارية ومنهجية وبحثية وتدريبية ورقابية أكاديمية سليمة.

في نقاشات الغضب، لا أحد يبدأ بنفسه، والكل يبحث عن ضحية تحمل الوزر بكامله، فلا يُرمى هو بحجر.

أن تستطيع أن تعزف على النغمة الحادة والنغمة الغليظة في طرفي لوح البيانو، وأنت لا تملك أن تعرف نغمات الوسط، يجعلك تتحول بكل حدة إلى الطرف الأبعد في الجانب الآخر، مصدرا النشاز الواضح للأذن، والقلب، والضمير، مهما ذهب صوتك وكلماتك وبسماتك إلى الضد البعيد.

الحوار المثمر يجب أن يتجرد من الأنانية فيكون بناء، يبحث عن مواطن الخلل، مهما كان المتحدث سببا أو شريكا فيها، وأن يبدأ العلاج بنفسه، ومحيطه دون دخول مرحلة النكران، وتحميل الذنوب، على أكتاف أقرب شريك.

للتنمية أسس أصيلة، لا يمكن فيها إهمال المعيشة، والتعليم، والعلاج، والخدمات الحكومية، والاقتصاد المتوازن، والذي يصب خيره على جميع المواطنين، ثم بعد ذلك تبدأ أعمدة التنمية وأبراجها الزجاجية، من خلال ضبط مصداقية المسار، وتحديد الأهداف، والمتابعة، والعمل بوعي يدرك ماذا، وأين ومتى، وكيف.

الخلل إن وجد فلا بد من العودة للأساسيات التي بني عليها العمل، وتأكيد جودته من عدمها، وتقرير أهميته، حتى لا يحتل واجهة العمل زيف وتهريج قشري لا يساعد الشركاء على إنجازه.

كثرة البهرجة، والادعاء بوجود النتائج الباهرة، لا يكونان من خلال منتوج وقتي يخطف الأبصار، بل بالاستدامة على الأسس، والتطوير الواعي الأصيل.

Shaheralnahari@