شكرا محسب أن جعلتني أكشف زيف بضاعتك
مقابسات
مقابسات
الاثنين - 20 يونيو 2016
Mon - 20 Jun 2016
والحق أنني حزين كل الحزن إلى ما آل إليه محيي الدين محسب، في محنته هذه، وما كان ليسرني ويفرحني ما انتهى إليه حال رجل درَّس في جامعات بلادنا في أربعة أزمنة، وما كنت لأريد أن يكون حاله معي مصداقا للحديث الشريف «المتشبِّع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبَيْ زور»، وعسى أن يظهر القارئ الكريم على «تلخيصه» لكتاب سعاد المانع، ليعرف، آنئذ، مبلغ علمه، وعسى أن يهتدي محيي فيعرف قدره، ويدرك أن الثقافة تميز الخبيث من الطيب.
وإني حزين، كذلك، لأنا اغتررنا بمحيي الدين؛ اغتررنا به في جامعاتنا، واغتررنا به في مؤسساتنا الثقافية! نعم أقول: اغتررنا به، فهذا الرجل الذي لا أعرف كيف مُكِّن من التدريس في اثنتين من جامعاتنا، ومن قبل في كلية المعلمين في الدمام، ما كان قمينا أن ينال من الحظوة بعض ما نال، ولعله حين نَفِسَ عليَّ ما هداني الله إليه، فجعل يفتش في دفاتره القديمة، رجاء أن يجد «تلخيصا» يدَّعي به مجدًّا - لعله فتَّش، كذلك، في موقعه أستاذا وعميدا في جامعة المنيا، في بلاده، وأحسب أيها القارئ العزيز أنه لا أنا ولا أنت في حاجة إلى أن نذكر الأستاذ الدكتور محيي الدين محسب، الذي انبرى يعلِّم الشرفاء «الأمانة» - بما كتبه زميل له في كلية دار العلوم بجامعة المنيا، أحسبه يعرفه حق المعرفة، ولن ينساه أبد الدهر، أعني الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل، حين نشر غير مقالة في الصحافة المصرية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وفي موقعه على الشبكة، تظهرنا، إذا قرأناها، على أننا خُدِعْنا به حين استقبلته جامعاتنا، وخدعنا به حين اتصل بأنديتنا الأدبية، وأخشى أن تخدع به جوائزنا المحلية والعالمية، وما ذلك لموقف منه، فقلوبنا مفتوحة لكل إخوتنا العرب، ولكن لأن ما كتبه الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل عن محيي الدين محسِّب، أقلُّ ما فيه أنه يطعن في شرفه الأكاديمي، وأنا لا أقول كلاما مفترى، وبحسب القارئ الكريم أن يقرأ طرفا من مقالات الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل، ليعرف، حينئذ، أن العميد الأسبق لكلية دار العلوم الدكتور محيي الدين محسب، وهذا مؤسف ومخجل، تحوم الشبهات حول أمانته العلمية، في قضية «سرقة الرسائل العلمية» في جامعته المذكورة، وكان له يد في التَّستر على تلك السرقات! ثم إذا بجامعاتنا تفتح لرجل هذه سمعته أبوابها، ثم لا تكتفي بذلك وإنما تفسح له الإشراف على الرسائل العالية، وما يدرينا، فلعل الزمان، وهو أبو العجائب، يتيح لنا سيد علي إسماعيل آخر، في جامعة الملك سعود، يكشف للشرفاء طرفا من حياة محيي الدين محسب فيها، وقد جاوزت ست السنوات، وربما كان فيها ما يمت إلى سوابقه في جامعة المنيا!
والليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيبِ
وأخيرا، فإنني سأمهل محيي الدين محسب سنة كاملة، من تاريخ نشر هذا المقال، ليفتش في دفاتره القديمة منذ 1404هـ إلى عامنا الهجري هذا، وأنا أتحداه أن يقع على أي عبارة، أشار هو فيها، ولو رمزا، إلى أن الدكتورة سعاد المانع هي الرائدة الأولى للنقد الألسني في المملكة، كما اهتدى إلى ذلك كاتب هذه السطور، وإن كنت موقنا من أن كاتبا كل قدرته التي يتيه بها على ثقافتنا لا تعدو «تلخيص الكتب»، ليس بمستطيع أن يبلغ شيئا من ذلك، مهما فتحت له أعرق جامعاتنا أبوابها، ومهما فسحت له مؤسساتنا الثقافية أن يعتلي منابرها، بعد أن تلطخت سمعته الأكاديمية بما تلطخت في بلاده، دع عنك أن «تلخيصاته»، مهما تنوعت، لا أعرف أنها قدمت جديدا، ولا صححت رأيا. وسواء عليه أنشر تلك «الملخصات» أم لم ينشرها، فليست هي إلا صورة للعبث العلمي والدعاوى العريضة، مهما صانعناه ومهما جاملناه!
والحق أنني أشكر الدكتور محيي الدين محسب كثيرا على «تعقيبه»؛ أشكره لأنه رفع عني حرجا أضمرته في صدري، حين حملني على أن أسطر هذا المقال الذي طالما تلجلجت مقاصده في الفؤاد وما باح بهن، لأنني، ولأن جماعة من عارفيه، كان واجب الضيافة يضطرنا إلى ملاينته، ومصانعته، وكأن لسان حالنا يقول: إن الرجل عاش بين ظهرانينا ردحا من الدهر، وعمل في جامعاتنا، واتصل منذ شبابه بمؤسساتنا الثقافية، وما يضيرنا، وقد نشأنا على أريحية العربي ومآثره في إكرام الضيف، إن صانعناه، وما علينا أن نلقاه ونحن له حامدون، أما وقد بلغ به الغرور أن ظن في نفسه هذا الظن، وأسرف على نفسه وعلينا هذا الإسراف، فقد ينبغي أن نكاشفه بما لم نكن – علم الله – لنرغب في مكاشفته به، فمحيي، في خير أحواله، ما هو إلا «ناقد شنطة»، وربما كان من حق الأجيال الجديدة أن تعرف أن مصطلح «ناقد شنطة» من الكلم العميق الذي سكَّه الناقد الكبير الدكتور منصور الحازمي، وقد عرف في عهد مبكر خطر هذا الصنف من «النقاد» بعد أن بلاه وحذر منه، ولكن مؤسساتنا الثقافية، وصحفنا، ظنت أن الدكتور الحازمي إنما أراد من وراء هذا المصطلح أن يشيع البسمة في نفوس قرائه، فلما نسيناه ابتلينا بهذا الضرب من الكتبة، من أمثال محيي الدين محسِّب، فنال من ألوان التجلة والتكريم ما لم ينل بعضه أساتذة كبار أعطوا الثقافة العربية، وأعطوا ثقافة هذه البلاد، صوب عقولهم وثمرة تفكيرهم، من أمثال علي جواد الطاهر، وشكري عياد، وأحمد كمال زكي، وسعد مصلوح، ونذير العظمة، وبكري شيخ أمين، ومنذر عياشي، ممن لا يصح، علما ولا ذوقا، أن نذكر في عدادهم محيي الدين محسب، هذا الذي صنعنا منه – حين صانعناه – وهما كبيرا، ما لبثت مؤسساتنا الثقافية أن صدَّقته، فأخذ يتكلم في طول البلاد وعرضها، بلسان «الناقد الأدبي» مرة، وبمنطق «عالم اللغة» ثانية، وبحكمة «الفيلسوف» ثالثة، والحق أنه لن نعرف محيي الدين محسِّب حق المعرفة إلا حين ننزله على شرط الثقافة في مصر وموقعه فيها، وعندها، فحسب، نعرف قدره، وإن فعلنا ذلك، أدركنا أن محيي لا يكاد يعرفه أحد في ثقافة مصر. أستغفر الله! إلا تلاميذه في جامعة المنيا، أما ما دون ذلك فالرجل مثله كمثل آلاف الأساتذة الجامعيين في الجامعات المصرية، وإن امتاز بأنه لم يكن شيئا مذكورا، وهو إن استعرنا أوصاف التراث وأنزلناها عليه: مدرس وسط، وباحث وسط، وانظر في أثناء الثقافة الجليلة في مصر، فإنك لن تجد لمحيي أثرا؛ لن تجده مذكورا في اللغويين، ولن تجده شيئا في النقاد، فليس النقد من صناعته وإن أوهمنا بذلك عقودا طويلة، وليس للرجل صلة بالفلسفة، وإن ادَّعاها - فلما وفد على بلادنا، ثم لما غادرها، لا تزال مؤسساتنا الثقافية، وأخيرا جوائزنا العالمية، تسعى إليه، فإذا ما فتشت عن سبب يحملها على إنزال الرجل هذه المنزلة، وإسعافه وقد نكره قومه، فلن تجد تفسيرا لذلك إلا مهارته البارعة في تزييف الوعي ونفخ الأوهام، وهذه بعض صفات «ناقد الشنطة»، يمنح «زبائنه» ما يشاؤون؛ يكتب عن الشاعر، والقاص، والروائي، والناقد، والأستاذ الجامعي، فيخص هذا بمحاضرة، وذلك ببحث، وذاك بـ»تلخيص»، ولأنه «ناقد شنطة» خبير بمشارب مثقفي البلاد، نراه يحشد في البحث الذي ينشئه، و»التلخيص» الذي يعتسفه كلمًا من المصطلح الأجنبي، وطائفة من المراجع باللسان الأعجمي، مما يلقفه من «الشابكة»، ولو كان ما يرقمه قراءة في قصيدة أو قصة قصيرة، وما ذلك إلا ليوهم قارئه أنه حيال ناقد «كبير»، أستغفر الله! بلْ منظِّر، بل فيلسوف! وكنا – وهذا عيب فينا – نجامله ونصانعه، فنهش له، ونسمعه من الكلمات ما لم يقل في أعلام الثقافة العربية، حتى اتسعت تجارة «ناقد الشنطة» هذا، فلما ثاب إلى المنيا، وانزوى في كِسْر بيته، لم تنسه مؤسساتنا الثقافية، وكيف تنساه وقد أرضى غرور نفر من القائمين عليها، ببهارجه ووشيه وخلابته، فسعت إليه تلك المؤسسات، وترقَّى فأصبح «ناقدا سياحيا»، ما إن يستقر في المنيا حتى يعود إلى بلادنا، يوزع «نقده السياحي» الجديد، في غير مدينة من مدننا. ولو وقف الأمر عند هذا لهان، ولكن الذي لا أكاد أجد له تفسيرا أن تسعى أمانة جائزة الملك فيصل العالمية إلى «ناقد الشنطة» هذا، ليتحدث في مصر، عن أعلام الثقافة العربية، من أولئك الباحثين الكبار الذين حازوا الجائزة، بأخرةٍ، وكأن مصر العزيزة خلت من مثقفيها العظام! ألم أقل لكم: إننا صانعنا محيي كثيرا، وأخشى ما أخشاه أن نستيقظ مرة على نبأ حصول «ناقد الشنطة» هذا على جائزة محلية أو عالمية من جوائزنا، فالرجل ماهر، وأصدقاؤه كثر، وهو يحسن استدراجهم لمآربه، وأيسر ما لديه أنه استغل سنوات عمادته في جامعة المنيا، فكرَّم هذا الأستاذ الجامعي السعودي في ندوة حشد لها التلاميذ والأتباع من مدرسي جامعته، ودعا هذا الصديق أو ذاك من أساتذة الجامعة السعوديين، لمناقشة «أطروحة عالية»، حتى إذا عاد هذا الصديق إلى المملكة، رد إلى محيي بعض جميله! ولعلك أيها القارئ الكريم عرفتَ الآن سر تنقل «ناقد الشنطة» هذا، بين مدننا، محاضرا وباحثا ومنتديا، حتى لا تكاد تخلو ندوة نقدية من اسمه، وليس ببعيد أن نقرأ اسمه عضوا في هذه اللجنة أو تلك من جوائزنا العالمية.
لكل هذا أقول لمحيي الدين محسب: شكرا لك أن جعلتني أطَّرح المصانعة وما تمليه واجبات الضيافة، وأن أكشف «زيف» البضاعة التي ظللتَ تحملها على ظهرك، منذ أربعة وثلاثين عاما، ولم تتعب، وخير لنا أن نكاشفك بما في قلوبنا، فليس لنا في بضاعتك أرب، فواجب المثقف أن يقول الحق، ولو بعد حين، وها أنذا مججت الماء لأنطق، وشرعت في هتك الأستار المسدلة، وإنني أَعِدُ القارئ الكريم بأن أقف في مقالات قادمة – بمشيئة الله - وقفات طويلة مفصلة على سمات «ناقد الشنطة»، وسأقصر التحليل والأمثلة على مقالات محيي الدين محسب و»ملخصاته»، ليدرك القارئ الكريم خطر هذا الصنف من الكَتَبة على أدبنا وثقافتنا.
[email protected]
وإني حزين، كذلك، لأنا اغتررنا بمحيي الدين؛ اغتررنا به في جامعاتنا، واغتررنا به في مؤسساتنا الثقافية! نعم أقول: اغتررنا به، فهذا الرجل الذي لا أعرف كيف مُكِّن من التدريس في اثنتين من جامعاتنا، ومن قبل في كلية المعلمين في الدمام، ما كان قمينا أن ينال من الحظوة بعض ما نال، ولعله حين نَفِسَ عليَّ ما هداني الله إليه، فجعل يفتش في دفاتره القديمة، رجاء أن يجد «تلخيصا» يدَّعي به مجدًّا - لعله فتَّش، كذلك، في موقعه أستاذا وعميدا في جامعة المنيا، في بلاده، وأحسب أيها القارئ العزيز أنه لا أنا ولا أنت في حاجة إلى أن نذكر الأستاذ الدكتور محيي الدين محسب، الذي انبرى يعلِّم الشرفاء «الأمانة» - بما كتبه زميل له في كلية دار العلوم بجامعة المنيا، أحسبه يعرفه حق المعرفة، ولن ينساه أبد الدهر، أعني الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل، حين نشر غير مقالة في الصحافة المصرية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وفي موقعه على الشبكة، تظهرنا، إذا قرأناها، على أننا خُدِعْنا به حين استقبلته جامعاتنا، وخدعنا به حين اتصل بأنديتنا الأدبية، وأخشى أن تخدع به جوائزنا المحلية والعالمية، وما ذلك لموقف منه، فقلوبنا مفتوحة لكل إخوتنا العرب، ولكن لأن ما كتبه الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل عن محيي الدين محسِّب، أقلُّ ما فيه أنه يطعن في شرفه الأكاديمي، وأنا لا أقول كلاما مفترى، وبحسب القارئ الكريم أن يقرأ طرفا من مقالات الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل، ليعرف، حينئذ، أن العميد الأسبق لكلية دار العلوم الدكتور محيي الدين محسب، وهذا مؤسف ومخجل، تحوم الشبهات حول أمانته العلمية، في قضية «سرقة الرسائل العلمية» في جامعته المذكورة، وكان له يد في التَّستر على تلك السرقات! ثم إذا بجامعاتنا تفتح لرجل هذه سمعته أبوابها، ثم لا تكتفي بذلك وإنما تفسح له الإشراف على الرسائل العالية، وما يدرينا، فلعل الزمان، وهو أبو العجائب، يتيح لنا سيد علي إسماعيل آخر، في جامعة الملك سعود، يكشف للشرفاء طرفا من حياة محيي الدين محسب فيها، وقد جاوزت ست السنوات، وربما كان فيها ما يمت إلى سوابقه في جامعة المنيا!
والليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيبِ
وأخيرا، فإنني سأمهل محيي الدين محسب سنة كاملة، من تاريخ نشر هذا المقال، ليفتش في دفاتره القديمة منذ 1404هـ إلى عامنا الهجري هذا، وأنا أتحداه أن يقع على أي عبارة، أشار هو فيها، ولو رمزا، إلى أن الدكتورة سعاد المانع هي الرائدة الأولى للنقد الألسني في المملكة، كما اهتدى إلى ذلك كاتب هذه السطور، وإن كنت موقنا من أن كاتبا كل قدرته التي يتيه بها على ثقافتنا لا تعدو «تلخيص الكتب»، ليس بمستطيع أن يبلغ شيئا من ذلك، مهما فتحت له أعرق جامعاتنا أبوابها، ومهما فسحت له مؤسساتنا الثقافية أن يعتلي منابرها، بعد أن تلطخت سمعته الأكاديمية بما تلطخت في بلاده، دع عنك أن «تلخيصاته»، مهما تنوعت، لا أعرف أنها قدمت جديدا، ولا صححت رأيا. وسواء عليه أنشر تلك «الملخصات» أم لم ينشرها، فليست هي إلا صورة للعبث العلمي والدعاوى العريضة، مهما صانعناه ومهما جاملناه!
والحق أنني أشكر الدكتور محيي الدين محسب كثيرا على «تعقيبه»؛ أشكره لأنه رفع عني حرجا أضمرته في صدري، حين حملني على أن أسطر هذا المقال الذي طالما تلجلجت مقاصده في الفؤاد وما باح بهن، لأنني، ولأن جماعة من عارفيه، كان واجب الضيافة يضطرنا إلى ملاينته، ومصانعته، وكأن لسان حالنا يقول: إن الرجل عاش بين ظهرانينا ردحا من الدهر، وعمل في جامعاتنا، واتصل منذ شبابه بمؤسساتنا الثقافية، وما يضيرنا، وقد نشأنا على أريحية العربي ومآثره في إكرام الضيف، إن صانعناه، وما علينا أن نلقاه ونحن له حامدون، أما وقد بلغ به الغرور أن ظن في نفسه هذا الظن، وأسرف على نفسه وعلينا هذا الإسراف، فقد ينبغي أن نكاشفه بما لم نكن – علم الله – لنرغب في مكاشفته به، فمحيي، في خير أحواله، ما هو إلا «ناقد شنطة»، وربما كان من حق الأجيال الجديدة أن تعرف أن مصطلح «ناقد شنطة» من الكلم العميق الذي سكَّه الناقد الكبير الدكتور منصور الحازمي، وقد عرف في عهد مبكر خطر هذا الصنف من «النقاد» بعد أن بلاه وحذر منه، ولكن مؤسساتنا الثقافية، وصحفنا، ظنت أن الدكتور الحازمي إنما أراد من وراء هذا المصطلح أن يشيع البسمة في نفوس قرائه، فلما نسيناه ابتلينا بهذا الضرب من الكتبة، من أمثال محيي الدين محسِّب، فنال من ألوان التجلة والتكريم ما لم ينل بعضه أساتذة كبار أعطوا الثقافة العربية، وأعطوا ثقافة هذه البلاد، صوب عقولهم وثمرة تفكيرهم، من أمثال علي جواد الطاهر، وشكري عياد، وأحمد كمال زكي، وسعد مصلوح، ونذير العظمة، وبكري شيخ أمين، ومنذر عياشي، ممن لا يصح، علما ولا ذوقا، أن نذكر في عدادهم محيي الدين محسب، هذا الذي صنعنا منه – حين صانعناه – وهما كبيرا، ما لبثت مؤسساتنا الثقافية أن صدَّقته، فأخذ يتكلم في طول البلاد وعرضها، بلسان «الناقد الأدبي» مرة، وبمنطق «عالم اللغة» ثانية، وبحكمة «الفيلسوف» ثالثة، والحق أنه لن نعرف محيي الدين محسِّب حق المعرفة إلا حين ننزله على شرط الثقافة في مصر وموقعه فيها، وعندها، فحسب، نعرف قدره، وإن فعلنا ذلك، أدركنا أن محيي لا يكاد يعرفه أحد في ثقافة مصر. أستغفر الله! إلا تلاميذه في جامعة المنيا، أما ما دون ذلك فالرجل مثله كمثل آلاف الأساتذة الجامعيين في الجامعات المصرية، وإن امتاز بأنه لم يكن شيئا مذكورا، وهو إن استعرنا أوصاف التراث وأنزلناها عليه: مدرس وسط، وباحث وسط، وانظر في أثناء الثقافة الجليلة في مصر، فإنك لن تجد لمحيي أثرا؛ لن تجده مذكورا في اللغويين، ولن تجده شيئا في النقاد، فليس النقد من صناعته وإن أوهمنا بذلك عقودا طويلة، وليس للرجل صلة بالفلسفة، وإن ادَّعاها - فلما وفد على بلادنا، ثم لما غادرها، لا تزال مؤسساتنا الثقافية، وأخيرا جوائزنا العالمية، تسعى إليه، فإذا ما فتشت عن سبب يحملها على إنزال الرجل هذه المنزلة، وإسعافه وقد نكره قومه، فلن تجد تفسيرا لذلك إلا مهارته البارعة في تزييف الوعي ونفخ الأوهام، وهذه بعض صفات «ناقد الشنطة»، يمنح «زبائنه» ما يشاؤون؛ يكتب عن الشاعر، والقاص، والروائي، والناقد، والأستاذ الجامعي، فيخص هذا بمحاضرة، وذلك ببحث، وذاك بـ»تلخيص»، ولأنه «ناقد شنطة» خبير بمشارب مثقفي البلاد، نراه يحشد في البحث الذي ينشئه، و»التلخيص» الذي يعتسفه كلمًا من المصطلح الأجنبي، وطائفة من المراجع باللسان الأعجمي، مما يلقفه من «الشابكة»، ولو كان ما يرقمه قراءة في قصيدة أو قصة قصيرة، وما ذلك إلا ليوهم قارئه أنه حيال ناقد «كبير»، أستغفر الله! بلْ منظِّر، بل فيلسوف! وكنا – وهذا عيب فينا – نجامله ونصانعه، فنهش له، ونسمعه من الكلمات ما لم يقل في أعلام الثقافة العربية، حتى اتسعت تجارة «ناقد الشنطة» هذا، فلما ثاب إلى المنيا، وانزوى في كِسْر بيته، لم تنسه مؤسساتنا الثقافية، وكيف تنساه وقد أرضى غرور نفر من القائمين عليها، ببهارجه ووشيه وخلابته، فسعت إليه تلك المؤسسات، وترقَّى فأصبح «ناقدا سياحيا»، ما إن يستقر في المنيا حتى يعود إلى بلادنا، يوزع «نقده السياحي» الجديد، في غير مدينة من مدننا. ولو وقف الأمر عند هذا لهان، ولكن الذي لا أكاد أجد له تفسيرا أن تسعى أمانة جائزة الملك فيصل العالمية إلى «ناقد الشنطة» هذا، ليتحدث في مصر، عن أعلام الثقافة العربية، من أولئك الباحثين الكبار الذين حازوا الجائزة، بأخرةٍ، وكأن مصر العزيزة خلت من مثقفيها العظام! ألم أقل لكم: إننا صانعنا محيي كثيرا، وأخشى ما أخشاه أن نستيقظ مرة على نبأ حصول «ناقد الشنطة» هذا على جائزة محلية أو عالمية من جوائزنا، فالرجل ماهر، وأصدقاؤه كثر، وهو يحسن استدراجهم لمآربه، وأيسر ما لديه أنه استغل سنوات عمادته في جامعة المنيا، فكرَّم هذا الأستاذ الجامعي السعودي في ندوة حشد لها التلاميذ والأتباع من مدرسي جامعته، ودعا هذا الصديق أو ذاك من أساتذة الجامعة السعوديين، لمناقشة «أطروحة عالية»، حتى إذا عاد هذا الصديق إلى المملكة، رد إلى محيي بعض جميله! ولعلك أيها القارئ الكريم عرفتَ الآن سر تنقل «ناقد الشنطة» هذا، بين مدننا، محاضرا وباحثا ومنتديا، حتى لا تكاد تخلو ندوة نقدية من اسمه، وليس ببعيد أن نقرأ اسمه عضوا في هذه اللجنة أو تلك من جوائزنا العالمية.
لكل هذا أقول لمحيي الدين محسب: شكرا لك أن جعلتني أطَّرح المصانعة وما تمليه واجبات الضيافة، وأن أكشف «زيف» البضاعة التي ظللتَ تحملها على ظهرك، منذ أربعة وثلاثين عاما، ولم تتعب، وخير لنا أن نكاشفك بما في قلوبنا، فليس لنا في بضاعتك أرب، فواجب المثقف أن يقول الحق، ولو بعد حين، وها أنذا مججت الماء لأنطق، وشرعت في هتك الأستار المسدلة، وإنني أَعِدُ القارئ الكريم بأن أقف في مقالات قادمة – بمشيئة الله - وقفات طويلة مفصلة على سمات «ناقد الشنطة»، وسأقصر التحليل والأمثلة على مقالات محيي الدين محسب و»ملخصاته»، ليدرك القارئ الكريم خطر هذا الصنف من الكَتَبة على أدبنا وثقافتنا.
[email protected]