طلال الحربي

تركيا بين اليوم والغد

الاحد - 29 ديسمبر 2019

Sun - 29 Dec 2019

منذ ظهور إردوغان على واجهة القيادة وتركيا تنتقل من مأزق لآخر، ويخطئ من يظن أن التجربة الإخوانية قد أثبتت فشلها في مصر فقط، لأن التجربة الحقيقية التي تثبت فشل فكر الإخوان في الحكم هي في تركيا، فالفترة الزمنية التي تولوا فيها أطول، ومرت بمراحل متعددة كان من الممكن أن تثبت نجاحها، لو كان لها قواعد سليمة ورؤية واضحة، لكن تنظيم الإخوان المسلمين الذي ما زال الغموض يلف حول تأسيسه وكيفية ظهوره على الساحة السياسية العربية والإسلامية، ورغم كل المحاولات السابقة في احتوائه وتوظيفه التوظيف السليم في بناء الدول وتنميتها واستقرارها، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، لأن أساس الفكر ومنبعه لم يكونا أبدا مهيأين لكي يحقق الاستقرار لأي دولة أو شعب وفي أي منطقة.

بعيدا عن كل العواطف وكل ما يمكن أن يؤثر في التحليل المنطقي، هذه تركيا ماثلة أمامنا بتولي الإخوان الحكم فيها، فالفكر الإخواني في تركيا ليس جديدا، وهو ممتد منذ ستينات القرن الماضي، حين أطلق نجم الدين أربكان المنافيستو الخاص به متأثرا بفكر سيد قطب، ليؤسس التوجه الإخواني في تركيا، ويبدأ بفتح مكاتب له في عديد من دول أوروبا على وجه التحديد، حيث أطلق عليها حركة ميللي جوروش وهي كلمة تعني الرؤية الوطنية. ومنذ ذلك التاريخ والفكر التركي في تنظيم الإخوان يعتمد أساسا على التمرد والانشقاق، فبعد ظهور الجيل الجديد مثل عبدالله جول وإردوغان اللذين انقلبا على الأب الروحي أربكان، بدأت عملية تأسيس الفكر الوسطي حتى عاد إردوغان وانقلب على رفيق دربه لينفرد بالسلطة في قيادة حزب العدالة والتنمية، بالتزامن مع ظهور شخصية إردوغان من رئيس بلدية إلى رئيس جمهورية.

إذا أردنا أن نعرف كيف كان لحكم الإخوان في مصر أن يكون لولا مشيئة الله، فلنعرف كيف هو في تركيا اليوم، الفكر والمنبع والأساس واحد، وسيد قطب في عقلية إخوان تركيا هو نفسه في عقلية إخوان مصر والعالم، حتى إن معسكرات حركة ميللي جوروش كان يشرف عليها قياديون إخوان من مصر نفسها لكن بالنظر إلى هذا الحزب والفكر المتغطي بالعاطفة الإسلامية.

تركيا قبل إردوغان دولة علمانية، وما زالت بعده دولة علمانية، علاقات مع كل دول العالم وأولها إسرائيل، وصراع مع شعوب وأقليات بسيطة كالأكراد والأرمن والقبارصة واليونانيين، دعم ومؤازرة لكل الحركات الإرهابية، بدءا بعلاقاتها مع القاعدة ووصولا لداعش، تصريحات وصراخ دون فعل، وما زلنا نذكر إردوغان وهو يعلن عن قطع العلاقة مع إسرائيل في حال نقل أمريكا سفارتها إلى القدس، وما زالت السفارة التركية في تل أبيب تعمل وتؤسس لمزيد من العلاقات.

لا أحد ينكر أن العرب والمسلمين عموما يتأثرون بالخطابات الرنانة، وأن العاطفة تأخذهم أحيانا بعيدا عن المنطق والحقائق، فقبل عقدين من الزمن كانت هنالك عاطفة كبيرة تجاه إيران وحزب الله وحتى الإخوان أنفسهم، كما هو الحال اليوم مع تركيا إردوغان، خاصة وهو يهدد إسرائيل ويتحدى أمريكا، وهو في الوقت نفسه على أطيب العلاقات ويزور قبر مؤسس إسرائيل هرتزل ويتراكض لإرضاء ترمب، بل حتى الصراع القومي مع الفرس انتهى في عصره ليتم الاتفاق والتحالف مع إيران وروسيا على حساب سوريا ومستقبل سوريا، في حين أن إردوغان من أوائل من أجج الصراع في سوريا، وما زالت تهديداته بمواجهة نظام الأسد موجودة ولم تصمت حتى سقطت طائراته العسكرية وانكشفت علاقاته مع داعش وبقية التنظيمات الإرهابية.

تلك الخطابات التي ظن كثير من العرب أنها حقيقية وأن أرقام الاقتصاد التركي ونموها مؤشر قوي على حسن إدارة إردوغان، وبالتالي حسن إدارة الإخوان، بينما تغريدة واحدة لترمب هدت الاقتصاد التركي ورمت بعملته إلى الحضيض.

ولن نتحدث عن علاقات إردوغان بجمعيات خارجة على الإنسانية كجمعية المثليين ودعمه لها، فهذه كلها من باب الترويج الانتخابي، لكن سنتحدث عن أن تركيا اليوم هي أسوأ ما يمكن أن تكون عليه، وأن كل ما قد نسمعه عن اقتصادها وقوتها ليس إلا فرقعات إعلامية، لكنها من النوع المؤثر على قلوب الجماهير العربية والإسلامية.

تركيا المستقبل لا بد أن تكون أمرا مختلفا، ليس توقعا مني، ولكني لا أرى أي سبب يجعل الشعب التركي يصمت طويلا، فالعالم يتجه نحو دربين لا ثالث لهما، إما مع منظومة دول الاستقرار والطموح والرؤى الوطنية الحقيقية التي تبني وتستثمر وتحافظ على قوة الأوطان، وإما مع دول الميليشيات كإيران وكوريا الشمالية ومن يدور في فلكها من دول وتنظيمات صغيرة.

@alharbit1