محمد حطحوط

عندما توقظ امرأة مجتمعا بأكمله.. روزا باركس

السبت - 28 ديسمبر 2019

Sat - 28 Dec 2019

زرت أمس مدينة منتقومري التابعة لولاية ألاباما حيث حكاية روزا باركس. امرأة أمريكية سوداء قلبت النظام العنصري ضد السود رأسا على عقب، وبدأت أكبر حركة أحدثت صدعا في النظام الاجتماعي والأخلاقي الأمريكي: حركة الحقوق المدنية Civil Right

Movement. ولدت باركس في ولاية ألاباما 1913 (جنوب أمريكا حيث العنصرية ظاهرة)، وكان هناك نظام كامل بكل تفاصيله للفصل العنصري بين الأبيض والأسود.

عنصرية في الجهات الحكومية وفي القطاع الخاص، تجد دورة مياه للأسود - قذرة - بجانبها دورة مياه للأبيض في غاية النظافة، وفي باقي تفاصيل الحياة، كان الأسود يحظى بمعاملة حيوانية! كانت روزا - مثالا للعنصرية - تذهب للمدرسة الابتدائية على قدميها، لأن الطفل الأسود ممنوع بسيف القانون من أن يركب الباصات المدرسية! هذا مثال صغير على آلاف الأمثلة العنصرية المشابهة التي أصبحت جزءا من حياة الناس اليومية.

إحدى صور العنصرية الظاهرة: نظام النقل في مدينة مونتقمري، حيث تخصص أول مقاعد الباص للبيض، وآخرها للسود، ليس هذا فحسب، بل إذا دخل طفل أبيض وقد امتلأ الباص، فيجب على عجوز سوداء أن تقوم من مقعدها (المخصص للسود) وتخليه للطفل الأبيض، وتظل هي واقفة على قدميها!

لم يكن في يد السود الكثير ليفعلوه، حيث تواجه أي محاولة رفض بالقوة العسكرية، والسجن والمحاكمة، وتدخل حياتك في نفق أسود، وفضل كثير من السود الصمت! ركبت الباص مرة روزا باركس، وحدث موقف مشابه، ورفضت أن تتحرك من مقعدها في ديسمبر 1955، وبالفعل اعتقلتها الشرطة وسجنت وفي يوم المحاكمة التي أدينت فيها ظلما، انطلقت حركة مقاطعة الباصات، والتي استمرت لعام، وبرز خلالها نجم مارتن لوثر كنج في تنظيم حركة المقاطعة، ولكن روزا باركس انتصرت بعد عام، بعد قرار من المحكمة العليا التي حكمت

لصالحها، وهنا ولدت حركة الحقوق المدنية، لتثور على عدم المساواة والظلم!

انتهت العنصرية (الظاهرة) في أمريكا، وبقيت جراح عميقة في المجتمع إلى يومنا هذا، حيث تكونت تكتلات سوداء وبيضاء داخل كل مدينة. في مدينة روستن - كمثال - في ولاية لويزيانا، إذا دخلت اليوم حرم جامعة قرامبلنق GSU، ستصعق أن الجامعة بكاملها أساتذة وطلابا هم من السود، بينما جامعة لويزيانا تيك التي تبعد دقائق منها، فيها أغلبية ساحقة من البيض!

غالب المجتمع في منتقمري كان في اتجاه (نعم) مع الحكومة، حتى أتت باركس، وقالت (لا) هزت المجتمع بأكمله!

قوية هذه الـ (لا) لدرجة أنني أكتب عنها بعد 65 سنة من بلكونة هذه الغرفة الأنيقة المطلة على شاطئ مدينة بنما. شقة جديدة (غرفتين وصالة ومطبخ) مطلة على الشاطئ في منتجع جميل وفي موسم سياحي بـ 400 ريال فقط!

mhathut@