علي المطوع

أزمة مزاج عام

الجمعة - 27 ديسمبر 2019

Fri - 27 Dec 2019

كثيرة هي الأزمات التي تظهر فجأة في المجتمعات الإنسانية، فمن شح السلع وانقطاعها إلى الغلاء والتضخم، وصولا إلى الأزمة الأغرب، أزمة الدخان، أزمة المزاج العام.

الدخان سلعة استراتيجية يروجها تجار المزاج، ويبتاعها الباحثون عن الصفاء الذهني والمزاج الحسي الذي يجعلهم يتجلون في مدارات علوية من الإبداع والصفاء والنقاء!

شخصيا لم أكن أتوقع أن تُمس هذه السلعة من أربابها وتجارها، لتصبح مادة مغشوشة ومخلوطة بعديد من المواد التي جعلت متعاطيها يفقدون حاسة وحساسية تذوقها والتمتع بها.

شاربو الدخان الذين لم تطل شواربهم ولن تطول على وقع نفثه وسرعة تغلغله في الخياشيم والمستقبلات الخلوية، هم أكثر الناس بصرا وبصيرة وفهما وتفهما لكنهه وطبيعته، مادة ومزاجا واستخداما، لذلك حاستهم المزاجية التي يقرنها البعض هنا بالحاسة السادسة - عند العباقرة - أوصلتهم إلى نتيجة مأساوية مفادها بأن هذا الدخان الجديد مغشوش والعياذ بالله.

الوسوم التويترية تعلو وتيرتها وتتزايد احتجاجات شاربي التبغ على وضعهم المأساوي الذي أفقدهم نعمة المزاج المتزن، والذي كانت السيجارة المستوردة توفره لهم وبنكهات متعددة ومؤصلة، توصلهم إلى تلك المشاعر الجياشة والمرهفة التي يسميها البعض بتجليات النيكوتين، تلك المادة التي اختلف الناس حولها، حلالا وحراما.

هيئة الغذاء والدواء في مأزق مهني صعب، فالمدخنون يتزايدون وحقوقهم المزاجية مكفولة بأعرافهم وتقاليدهم، ونفيرهم المزاجي العام على الأبواب، واحتواؤهم مطلب تجاري، واجتماعي وإنساني، فإن أجازت هيئة الدواء هذا الدخان الجديد فإنها ستواجه سيلا جارفا من أصحاب القمصان الحمراء والبيضاء الراسخين في المزاج العام والخاص وتجلياتهما الإبداعية والمجتمعية، وإن رفضته بطبيعته الحالية، فهذا يعني أنها تبحث عن منتج للتبغ أفضل وأحسن وأجود، وهذا يؤدي في النهاية إلى تناقض صريح بين الدواء والداء، وبين رعاية الأولى ومحاربة الثانية.

هناك أيضا بعد أخلاقي آخر، فالغش الذي غير الدخان سيؤدي حتما إلى تقليل نسب تعاطيه بين الشباب، وهذا الغش محمود في عواقبه عند المحاربين لهذه السلعة، فكيف يتأتى لأصحاب الرأي تحليل هذا الغش واعتباره من الأمور التي ترفع من نسبة نقاء الأجواء العامة والخاصة، وزيادة نسبة الأكسجين، خاصة نخبه الأول الأوزون، الثلاثي العدد والعدة!؟

يبدو أن مجتمعنا يتعرض لأزمة فكرية جدلية كلامية حادة، أبعادها لا تقتصر على عاشقي التبغ ودوره العالمية، وماركاته الساحرة، فهيئات كثيرة ستجد نفسها في مآزق صعبة وغريبة، كون المرحلة تقتضي رأيا، والرأي هنا لن يكون قبل شجاعة الشجعان، لأنه في هذه الحالة سيغير اتجاه البوصلة ويعيد عربات الفكر إلى أعقابها من جديد.

من الجانب الاقتصادي، تكلفة الدخان عالية، والضريبة المفروضة عليه ما زادت المدخنين إلا ولاء وحبا لهذه المادة السامة المقيتة، ولعل كثيرا من الصناعات وتحت وطأة ما استجد من غش وخداع، ستتأثر، فأبطال السينما الذين كانوا يمارسون التدخين في مشاهد معينة تزيدهم ألقا ونجومية ربما سيتوقفون عن فعل ذلك، كون المزاج في الشارع لم يعد يؤمن بنكهات الدخان الحالية، فهل تشهد الحياة المزاجية عودة لأساليب التدخين القديمة؟ فالغليون وبموت أشهر متعاطيه ونستون تشرشل، شهد انتكاسة في الاستخدام، حتى السادات عندما أراد إحياء هذه العادة سقط في ميدانه وأمام فرسانه وهو يسل غليونه أمام عدسات الكاميرات ووسائل الإعلام المختلفة.

ربما يكون الغليون خيارا، في ظل خروج بعض التقارير التي ما عادت تثق بالسيجارة الدجتلية وأضرارها المميتة والمهلكة.

الدخان سلعة مزاجية قد ترتقي عند بعض المدخنين لتصبح من ضرورات الحياة، خاصة في ظل الأزمات التي تتغشى البشر، لتظل السيجارة المتنفس الوحيد الذي يخرج كل الزفرات والعبر والعبرات، ومن يدري فقد يصبح للمدخنين جمعيات ونقابات ويوم تستذكر فيه السيجارة، ليصبح يوما عالميا للمزاج بنكهاته التبغية المختلفة والمتخلفة.

@alaseery2