طلال الشريف

ناجحون في التخطيط ومتخلفون في التنفيذ

الخميس - 26 ديسمبر 2019

Thu - 26 Dec 2019

معظم خططنا الاستراتيجية في قطاعاتنا الحكومية تفشل، ويجري استنساخها سنويا دون ما تقييم حقيقي لمستوى الإنجاز إن وجد، وذلك ليس لخلل في مستوى التخطيط الاستراتيجي إطلاقا، فنحن ناجحون في إعداد الخطط الاستراتيجية النموذجية والمثالية لواقع ومستقبل قطاعاتنا الحكومية، ولكننا متخلفون في تنفيذها بالشكل الصحيح. ولقد استشعرت كثير من الدول المتقدمة منذ منتصف السبعينات في القرن الماضي هذا الإخفاق في عملية التخطيط الاستراتيجي، وعزته إلى تركيز الإدارات العليا والمخططين الاستراتيجيين على عملية صياغة الاستراتيجية على حساب تنفيذ الاستراتيجية، فظهرت الإدارة الاستراتيجية كمنهجية إدارية شاملة ومتكاملة لمعالجة الخلل والقصور في منهجية التخطيط الاستراتيجي.

والمؤسف أن كثيرا من الإداريين والقيادين ينظرون إلى الإدارة الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي كشيء واحد، والواقع أنهما مترابطان لكنهما غير متطابقين في المعنى، حيث إن الإدارة الاستراتيجية أوسع وأشمل وتحوي جميع العمليات الإدارية والمنهجيات الإدارية الحديثة التي خلصت إليها نظريات الإدارة حتى اليوم.

والإدارة الاستراتيجية تقوم على افتراض أساسي مؤداه أن دورة التخطيط غير كافية للتعامل مع معدل التغير السريع الذي يحدث في البيئة التي تواجهها المؤسسات، ولكي يحدث التواؤم مع التغيرات والتهديدات والفرص السريعة فإن القرارات بحاجة إلى أن تتخذ خارج دورة التخطيط الاعتيادية.

وللفائدة يمكن اختصار العلاقة بين الإدارة الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي في ثلاثة أبعاد، أولها علاقة الجزء بالكل، فالتخطيط الاستراتيجي عنصر أو وظيفة محورية ومهمة من وظائف الإدارة الاستراتيجية، وثانيها تركيز الإدارة الاستراتيجية على جميع مراحل وعمليات الاستراتيجية (الصياغة، التنفيذ، التقويم الاستراتيجي)، في حين يركز التخطيط الاستراتيجي على صياغة الاستراتيجية، وأخيرا تمارس الإدارة الاستراتيجية من خلال جميع المستويات الإدارية على مستوى القطاع ووحدات الأعمال والمستوى الوظيفي، في حين يركز التخطيط الاستراتيجي على مستوى القيادة العليا في القطاع.

لقد مررنا في قطاعاتنا الحكومية منذ أكثر من عقد من الزمان بثورة إدارية توعوية وتثقيفية وتطبيقية على منهجية التخطيط الاستراتيجي، تميزت قطاعاتنا من خلالها بإنشاء إدارات للتخطيط الاستراتيجي وازدانت مداخلها وقاعات اجتماعاتها ومسارحها بكتابة بعض مظاهر التخطيط الاستراتيجي كالرؤية والرسالة والأهداف والقيم.

واليوم ونحن متجهون نحو رؤية فريدة لعام 2030 بحاجة ماسة إلى ثورة إدارية جديدة لمنهجية الإدارة الاستراتيجية، وإعلان قطاعاتنا الحكومية تحولها نحو تطبيق منهجية الإدارة الاستراتيجية، معززة ذلك التحول بإعداد المديرين والقادة الاستراتيجيين على مستوى القطاع ووحدات أعماله ووظائفه، وبتأهيل الموارد البشرية برفع مستوى التثقيف بمضامينها وآثارها، وعقد الدورات والبرامج وورش العمل العميقة، والاستفادة من التجارب العالمية بتصميم نموذج الإدارة الاستراتيجية المناسب لكل قطاع.

وتبقى جامعاتنا الحكومية معنية بالدرجة الأولى بإعلان التحول نحو تطبيق منهجية الإدارة الاستراتيجية بصفتها مؤسسات ريادية تقود التحولات النوعية في المجتمع، وتطبق الممارسات الإدارية والقيادية الحديثة بصورة نموذجية، في ظل توفر الموارد البشرية المتخصصة والإمكانات المادية والمالية، وبحكم طبيعة وظائفها ومسؤوليتها في إنتاج المعرفة وتوظيفها وتسويقها ومتابعة المستجدات العلمية في مختلف مجالات الحياة.

@drAlshreefTalal