عبدالله المزهر

حتى لا تكون صحوة مغشوشة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 24 ديسمبر 2019

Tue - 24 Dec 2019

في الأسابيع المنصرمة كان حديث الناس ونقاشهم في مجالسهم واستراحاتهم ومحور شتائمهم لبعضهم البعض أو للآخرين يدور حول الغش والغشاشين والبضائع والسلع التي تملأ الأسواق، ولا أحد يعرف على وجه اليقين من أين أتت وإلى أين تذهب. وهذه الصحوة المباركة التي أشعلها المدخنون جزاهم الله عن المستهلكين خير الجزاء، أتت بعد غفوة لعقود والناس تستخدم خردة الكوكب وتأكل من «خشاش البضائع»، ولا أظن ـ أو هكذا أتمنى ـ أن ما بعد هذه الصحوة سيكون كما قبلها، سواء اعترفت الجهات المقصرة بتقصيرها علنا أم حاولت النجاة وتدارك ما يمكن تداركه بعيدا عن الأضواء.

وليس متوقعا أن ينتهي الغش وينقرض الغشاشون، هذه سنة كونية منذ وجود الإنسان، وستبقى حتى يغادر آخر إنسان هذا الكوكب. لكن الناس يريدون فقط أن يصبح الغش أمرا صعبا وأن يجد الغشاش صعوبة في خداع الناس، وأن يكون الغشاش مجرما يشنع عليه ويعاقب بأقسى ما يمكن أن يعاقب به الإنسان إنسانا آخر. لأن المشكلة التي فاجأت الناس بعد صحوتهم هي اكتشافهم أن الغش سهل وميسور، ولا أحد يهتم له اهتماما حقيقيا، بل إنه في بعض الأحيان يبدو كأنه محل ترحيب.

وما أود الإشارة إليه في مقالي العظيم هذا هو أمنياتي أن تمتد صحوة الناس ومعركتهم في مواجهة الغش إلى أن تشمل كثيرا من أوجه الغش في المنتجات التي لا تتناول عن طريق الفم، فحاجة السوق وكثرة الطلب جعلتا كثيرا من البضائع تدخل حتى إلى عقول الناس دون أن تخضع لأي فحص أو اختبار لجودتها، ومن أمثلة ذلك ـ لأن الحصر يبدو صعبا ـ وجود مثقفين مغشوشين، وصحفيين مصنوعين بطريقة رديئة، وفنانين لا أحد يعلم أين تمت صناعتهم، وإعلاميين دخلوا إلى الإعلام عن طريق التهريب. وفوق كل ذلك وجود مسؤولين لا أحد يعلم إلا الله وحده كيف يفكرون وكيف يقررون.

وأظن ظنا ليس آثما إن شاء الله أن الاهتمام بهذه المنتجات وجودتها أهم بكثير من التركيز على علبة سجائر مليئة بالأخشاب والمواد الغريبة، ليس لأن الأمر الثاني غير مهم، ولكن لأن جودة الأمر الأول كفيلة بالقضاء على سوء الثاني.

وعلى أي حال..

الغشاشون الذين أفسدوا طعامي وعبثوا بصحتي فعلوا فعلتهم التي فعلوا وهم من الآمنين، ولكني لا زلت أقاوم ـ وأتمنى أن تفعلوا أيضا ـ أولئك الغشاشين الذين يستهدفون عقلي، أريد حين أموت وأدخل قبري - بعد أن يقضي عليّ الغشاشون في الطعام والدواء - أن أكون محتفظا بكامل قواي العقلية. قاوم من أجل أن تستخدم عقلك وحدك وتفكر وحدك، عقلك هبة الخالق للإنسان، وحين يتم العبث من قبل غير المختصين فإنه يصبح خارج الضمان، وتقل قيمته ويصبح ضرره أكثر من نفعه.

agrni@