مرزوق تنباك

تدبير شؤون البنات

الثلاثاء - 24 ديسمبر 2019

Tue - 24 Dec 2019

ينقل الدكتور غازي القصيبي عن صديقه الدكتور يوسف الشيراوي وزير خارجية مملكة البحرين السابق رحمهما الله النص الذي ترونه عنوانا للمقال، وتمامه «لماذا قلت لي قبل رحيلك بليال خمس: إنك ستموت قرير العين بعد أن دبرت شؤون البنات». وقد نقلت النص وحكايته وأسبابه في كتابي «الوأد عند العرب بين الوهمي والحقيقة».

ورغم أني لا أحبذ أن يقحم الكاتب قراءه في شؤونه الخاصة، إلا أن في بعضها ما قد يكون مناسبا للمشاركة والتفاعل مع القراء في بعض الأفراح، ولا سيما إذا كانت ذات قيمة علمية أو أدبية أو تعبير عن مشترك العواطف بين الناس ومشترك الاهتمامات بين الآباء والأمهات.

وللبنات في تاريخنا العربي مساحة واسعة وشأن أي شأن في حياة آبائهن خاصة، وشعور فياض نحوهن عبرت عنه القصائد والأمثال وكثير من أدبياتهم في كل العصور حتى في عصرنا الحاضر، وفي الأسبوع المنصرم كنت متفاعلا مع البنات وشؤونهن، إذ كنت في يومين متتابعين أعيش لحظات غامرة من السعادة سببها البنات حين يشعر أبوهن بنجاحهن وتحقيق ما يتمناه كل أب لابنته، وبالفخر بهن بدل الشفقة عليهن التي كانت هي ديدن الآباء في الماضي البعيد وحتى في بعض الحاضر.

يوم الأربعاء 11/‏12/‏2019م كنت أجري في ردهات جامعة برمنجاهم في إنجلترا لحضور تخرج الدكتورة ليلى مرزوق العمري من جامعة برمنجهام العريقة التي لم يفت مديرها في كلمته أن يفخر بأن جامعته أنجبت أحد عشر شخصا من خريجيها ممن حصلوا على جائزة نوبل التي صارت مقياسا للنجاح والتميز العلمي، ويوم الجمعة الذي بعده 13/‏12/‏2019م أقف في طابور طويل من أولياء الأمور في جامعة بانجور في ويلز لحضور تخرج الدكتورة مها مرزوق العمري، ومعي أعداد من الآباء والأمهات وعلى وجوههم الفرح الذي يملأ الجو كله قبل المكان ومن به.

بين الجامعتين والمناسبتين فاصل يوم واحد، وبينهما في نفسي وذكرياتي فواصل كثيرة وذكريات جمة كانت تلك البلاد ميدان أكثرها، أهمية المناسبتين لي شخصيا وقربهما من بعضهما زمنيا أثارا في نفسي مثلما يحس به كل أب يرى شيئا من نجاح أولاده وفرحهم، ولا سيما نجاح البنات وتميزهن وشعوره أن الفتاة لم تعد عبئا على من سيخلفه، ولكنها أصبحت كأخيها الابن تحقق ذاتها وتشارك في بناء مجتمعها لا يقف في طريقها عائق غير جهدها واستعدادها وتوفيق الله لها في حياتها حين تنال حظها من التعليم ومكانتها التي تستحقها في علمها وعملها وجهدها، مستقلة غير مضارة من أحد، تكون جزءا مهما من المجتمع الذي تنتمي إليه وتعمل من أجله وتخدمه.

وقد شعرت في هذه المناسبة بكثير من تداعي الذكريات وبفاصل زمني مداه أربعون عاما، هي نفسها المناسبة ذاتها حين كنت أمارس الطقوس التي رأيت المتخرجين يمارسونها اليوم؛ لباس التخرج، طوابير المتخرجين، تبادل التهاني بالنجاح، وانتهاء مرحلة من العمر وتحقيق شيء من الرغبات التي كنا نطمح إليها والفرح العارم الذي كان في نفوسنا حينذاك، ولم يتغير كثير من الطقوس والتقاليد الجامعية التي عهدتها منذ ذلك الزمن البعيد، ولم يتغير شيء من البرتوكول الذي تتبعه الجامعات البريطانية في تخريج طلابها في كل عام مرة أو مرتين، نسيت فارق الزمن وارتبط يوم تخرجي البعيد بيوم تخرج ابنتي اليوم وركضت بفرح الشباب بين المتخرجين وأولياء الأمور، وأحييت التقاليد نفسها التي كنت أحييها في ذلك الوقت.

وقد أنعم الله وأكرم فالشكر له أولا، ولولاة أمر هذه البلاد وأبنائها المخلصين المسؤولين عن التعليم على ما بذلوا وما يبذلون في سبيل تهيئة الظروف المناسبة لأبناء الوطن كي يستفيدوا من خبرات الأمم ومعارفها، وحرصوا على استمرار تنميتها ولم يبخلوا بشيء من ذلك عليهم، والحمد لله على نعمة الرخاء والاستقرار واطمئنان الحال الذي أنعم الله به علينا. وأما بنعمة ربك فحدث.

Mtenback@