عبدالله المزهر

العاديون ضحايا عمليات التجميل!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 22 ديسمبر 2019

Sun - 22 Dec 2019

لا أخفي حقيقة أني من أشد المعجبين بعمل الهيئة العامة للإحصاء، وأجد متعة في التنقل بين أرقامهم التي يعلنون عنها بشكل دوري، واستمتاعي بما تقدمه لا يعني بالضرورة أني أفهم الأرقام أو أستوعب دلالتها، قرأت في موقعهم مؤخرا أن عدد العاطلين السعوديين الباحثين عن عمل هو مليون عاطل وعاطلة، وأنا هنا أتكلم عن الأرقام التقريبية فأنا ـ كما تعلمون ـ لست دقيقا إلى درجة أني سأذكر الأرقام بالتفصيل.

وعدد العاملين ـ أو المشتغلين كما تسميهم الهيئة ـ من السعوديين وغير السعوديين يقترب من الثلاثة عشر مليون إنسان. أما عدد غير السعوديين في هذه الثلاثة عشر مليونا فهو ما يقارب العشرة ملايين «مشتغل»، ولأني لست خبيرا ولا فلتة اقتصادية فإني لم أفهم ووجدت صعوبة في استيعاب صعوبة توطين 10% فقط من وظائف غير السعوديين وشغلها بالمليون عاطل وعاطلة الذين يجوبون الوطن بحثا عن عمل.

ولا شك أن الوظائف المقصودة بهذا التوطين ليست وظائف خبراء يحملون تخصصات نادرة يبحث عنها العالم أجمع، وليست أيضا الوظائف التي يصعب إيجاد سعوديين لشغلها كأعمال الإنشاءات والبناء والنظافة والعمالة المنزلية، لكن المعني هي الوظائف العادية التي يشغلها الإخوة والأشقاء العاديون من أنحاء المعمورة ويحتلون مكان العاديين من السعوديين الذين هم أولى من غيرهم مع كامل التبجيل والاحترام والتقدير لكل العاديين على هذا الكوكب.

من المؤكد أنه يوجد أسباب خلف هذه الصعوبة، لكني لا أعلمها، وقد تكون واضحة لكني بطيء الفهم. ويزداد الأمر تعقيدا على محدودي التفكير أمثالي حين تقول الأرقام إن عدد تأشيرات الاستقدام قد ارتفع، أشعر حين أقرأ مثل هذه المعلومة أني ارتطمت بجدار، أتأمل الأرقام وكأني طالب وجد في يوم الامتحان أن جميع الأسئلة كانت من الجزء الذي قرر أن يتجاهله في المنهج.

الأرقام والصور والرسومات البيانية جميلة ومفيدة، لكن العاطل الباحث عن عمل لن يجد كلامك مقنعا وهو يحدثك عن حاجته وتحدثه عن الأرقام التي لا تعنيه في شيء، خاصة إذا كان يواجه الواقع يوميا وتتكسر عليه أحلامه ورؤيته للمستقبل والحياة، ويدرك يقينا أن العلاقة بين ذلك الواقع وبين الأرقام التي تنشرها لا تختلف كثيرا عن علاقتي بكليوبترا أو نيفرتيتي.

وعلى أي حال..

بدا لي ـ والله أعلم ـ أن بعض المسؤولين غفر الله لنا ولهم يهتمون بتجميل التقارير أكثر من اهتمامهم بتجميل الواقع نفسه، ويحرصون على أن تكون الصور جميلة حتى لو كانت لا تشبه الواقع، وهذه خطة تنجح وقتيا في رسم صورة زاهية لدى المسؤول الأعلى في كل قطاع، لكنها تنكشف على المدى الطويل. إنها تشبه فكرة النساء أو حتى الرجال الذين يجرون الكثير من عمليات التجميل ليبدوا أكثر وسامة وجمالا، لكن أشكالهم الحقيقية تظهر للعلن حين يأتي مولودهم الأول وهو يشبه الأصل لا الصورة المعدلة.

agrni@