البلكونة..شرفة المجتمع ونافذة الحياة

«الفانوس المتدلي بين النبت المتسلق لا يرسل نورا لكن عيونا كانت تمنحه نور الشرفة»
هكذا وصف الشاعر سعدي يوسف عيون محبوبته التي كانت تهب النور لفانوس متدل، في زمن كان للشرفة حضور مبهج في الحياة الاجتماعية

«الفانوس المتدلي بين النبت المتسلق لا يرسل نورا لكن عيونا كانت تمنحه نور الشرفة»
هكذا وصف الشاعر سعدي يوسف عيون محبوبته التي كانت تهب النور لفانوس متدل، في زمن كان للشرفة حضور مبهج في الحياة الاجتماعية

السبت - 22 فبراير 2014

Sat - 22 Feb 2014



«الفانوس المتدلي بين النبت المتسلق لا يرسل نورا لكن عيونا كانت تمنحه نور الشرفة»

هكذا وصف الشاعر سعدي يوسف عيون محبوبته التي كانت تهب النور لفانوس متدل، في زمن كان للشرفة حضور مبهج في الحياة الاجتماعية

ولكن عندما تلغى الشرفة أو (البلكونة) بأعذار واهية تتمحور حول سخونة أو برودة الطقس أو دخول الغبار أو الخوف على الأطفال من خطرها، تتحول منازلنا إلى أقفاص اجتماعية كئيبة، وتتساءل بحرقة كيف ستتحقق نظرية الشاعر محمود درويش الحالمة «أطل كشرفة بيت على ما أريد



أطل على أصدقائي وهم يحملون بريد المساء، نبيذا وخبزا، وبعض الروايات والإسطوانات»

الشرفة في القاهرة أو في بيروت مثلا هي منبر للحوار مع الجار في الضفة الأخرى من القلب، أو ملاذ لعاشق يتلصص على تأوهات حبيبته في غيمة قصية من الروح

الشرفة أيقونة مهمة في السياق الاجتماعي حيث الجدل الفارغ، و(زنبيل) البقال، ولهو الأطفال، وحبل الغسيل، وشجيرات زرعت في أوان فخارية على عجل، وحديث المساء بين زوج وزوجته، وشمس تنفض غبار النوم، وقمر يستدرج العشاق في ليل طويل

وفي منطقة الحجاز تحديدا ظهرت الرواشين تاريخيا بحسب الروايات في القرن السادس الهجري، الثالث عشر الميلادي، إبان العصر العباسي، واستمر استخدامها حتى أوائل القرن العشرين الميلادي، وجاءت هذه التسمية (روشن أو روشان) تعريبا للكلمة الفارسية (روزن) وتعني الكوة أو النافذة أو الشرفة وتعني الضوء أيضا

والرواشين عبارة عن بروز معماري من الخشب يظهر في الطابق الأول أو ما فوقه، يمتد فوق الشارع أو داخل فناء المبنى وتكون مطلة على الحارة المغسولة بنقاء أهلها، فتقوم بدور برج المراقبة والفلتر الذي يجدد الهواء للبيت ويسمح بدخول ضوء الشمس المتقطع، ولكن مع نمو المدن الاسمنتية ألغيت المشربيات وجاءت الشرفات الإيطالية المنشأ كبديل، وقد كانت موجودة في البناء العربي تحت مسمى الشرفة، ولكنها شعبيا يتداول كلمة (البرندة) وهي تحريف محلي للكلمة اللاتينية Veranda

ولكن مع الأسف لم تكن - في مجتمعنا - بديلا مجديا، حيث تحولت إلى مخازن محاطة بالسواتر ليس لاستغلال المساحة لأشياء يراها كثير فائضة عن حاجته، أو ليمنع الحمام من ممارسة هديله الأخاذ كل صباح على عتباتها، بل لأن هناك ثقافة التوجس من الآخر التي سيطرت على الذهنية السائدة بسبب أفكار متنطعة خلقتها ظروف دينية واجتماعية، أفقدت (البلكونة) روحها وقيمتها المعمارية والوجودية وحولت الناس إلى كائنات متوحشة تعيش في جزر معزولة!وكما أن الشرفة هي نافذة للحياة فقد تكون خطوة أولى لطريق الموت الأسود فيما لو كانت نافذة للانتحار، كما فعل المخرج السينمائي الإيطالي كارلو ليزاني حينما قذف بنفسه من شرفة بالطابق الثالث، أو كما تواترت الروايات حول مقتل سندريلا الشاشة سعاد حسني بأنها ألقت بنفسها من شرفة الطابق السادس في المنزل الذي كانت تقطنه بالعاصمة البريطانية لندن